ومتى (١) التبس اللفظ فلم يقم دليل على حقيقة فيه أو مجاز، وجب الوقف لعدم البرهان.
وليس بمصيب من ادعى أن جميع القرآن على المجاز، وظاهر اللغة يكذبه. ودلائل العقول والعادات تشهد بأن جمهوره على حقيقة كلام أهل اللسان. ولا بمصيب أيضا من زعم أنه لا يدخله المجاز، وقد خصمه في ذلك قوله سبحانه: ﴿فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض﴾ (٢) وغيره من الآيات. والواجب أن يقال: أن منه حقيقة، ومنه مجاز.
فأما القول في الحظر والإباحة فهو أن العقول لا مجال لها في العلم بإباحة ما يجوز ورود السمع فيها بإباحته، ولا يحظر ما يجوز وروده فيها بحظره، ولكن العقل لم ينفك قط من السمع [بإباحة وحظر] ولو أجبر الله تعالى العقلاء حالا واحدة من سمع، لكان قد اضطرهم إلى مواقعة ما يقبح في عقولهم من استباحة، ما لا سبيل لهم إلى العلم بإباحته من حظره، وألجأهم إلى الحيرة التي لا يليق بحكمته.
وليس عندنا للقياس والرأي مجال في استخراج الأحكام الشرعية، ولا يعرف من جهتهما شئ من الصواب، ومن اعتمد هما في المشروعات فهو على ضلال.
والعقول تجوز نسخ الكتاب بالكتاب، والسنة بالسنة، والكتاب بالسنة، والسنة بالكتاب. غير أن السمع ورد بأن الله تعالى لا ينسخ كلامه بغير كلامه بقوله: ﴿ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها﴾ (4)