وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى أفضل، واحتج من فضل الملائكة بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وقوله لا يعصون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وقوله: * (قل لا أقول لكم عندى خزآئن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك) *.
وبما في البخاري يقول الله: (من ذكرني في ملأ ذكرته في ملإ خير منه) وهذا نص على أن الملأ الأعلى خير من ملا الأرض.
واحتج من فضل بني آدم بقوله تعالى: * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولائك هم خير البرية) *، بالهمز من برأ الله الخلق، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم) أخرجه أبو داود.
وبأن الله يباهي بأهل عرفات الملائكة، ولا يباهي إلا بالأفضل والله تعالى أعلم.
وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الملائكة خير منهم، لأن طريق ذلك خبر الله، وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع الأمة.
وليس ها هنا شيء من ذلك خلافا للقدرية والقاضي أبي بكر، حيث قالوا: الملائكة أفضل. قال: وأما من قال من أصحابنا والشيعة: إن الأنبياء أفضل، لأن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، إلى آخره.
ثم رد هذا الاستدلال.
وقد سقنا هذا البحث لبيان الخلاف في هذه المسألة المشتمل عليها لفظ البرية، وأعتقد أن المفاضلة جزئية لا كلية، وذلك أن جنس البشر خلاف جنس الملائكة، والملائكة فيهم النص بأنهم * (عباد مكرمون) *، والبشر فيهم النص * (ولقد كرمنا بنىءادم) *، والفرق بينهما، كالفرق بين الاسم والفعل في الدلالة.
ففي الملائكة بالاسم: مكرمون، وهو يدل على الدوام والثبوت، وفي بني آدم كرمنا، وهو يدل على التجدد والحدوث.
وهذا هو الواقع، فالتكريم ثابت ولازم ودائم للملائكة بخلافه في بني آدم إذ فيهم