وعلى حد قوله تعالى: * (فليدع ناديه) *، أطلق النادي، وأراد من يحل فيه من القوم.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث تعدية الوسوسة تارة بإلى وتارة باللام، ففي سورة الأعراف * (فوسوس لهما الشيطان) *، وفي طه: * (فوسوس إليه الشيطان) *.
وحاصل ما ذكره في الجمع بينهما أحد أمرين: إما أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، وذكر شواهده، وإما أن يكون وسوس، أي لأجله ووسوس إليه أي أنهى إليه الوسوسة، ولكن هنا قال: * (فى صدور الناس) *، ولم يقل: إلى صدور الناس، فهل هو من باب نيابة حروف الجر بعضها عن بعض أيضا؟ أم هي ظرف محض؟
والظاهر أنها ظرف، ولكن هل من الظرف للوسواس، أو ظرف للوسوسة نفسها؟
وبالنظر إلى كلام المفسرين، فإن كلام ابن جرير يحتمل اعتبار المعنيين بدون تعيين.
وأما القرطبي، والألوسي، فصرحا بما ظهر لهما ووصلا إليه.
فقال القرطبي، قال مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير يجري من مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وذكر الحديث (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه).
وقال: إن أبا ثعلبة الخشني قال: سألت ربي أن يريني الشيطان، ومكانه من ابن آدم، فرأيته يداه في يديه ورجلاه في رجليه ومشاعيه في جسده، غير أن له خطما كخطم الكلب؟ فإذا ذكر الله خنس، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه.
أما الألوسي فقد صرح بالتقسيم الذي أوردناه، فقال: الذي يوسوس في صدور الناس.
قيل: أريد قلوبهم مجازا.
وقال بعضهم: إن الشيطان يدخل الصدر الذي هو بمنزلة الدهليز، فيلقي منه ما يريد إلقاءه إلى القلب ويوصله إليه، ولا مانع عقلا من دخوله في جوف إنسان. وساق الحديث أيضا (إن الشيطان يجري) إلى آخره.