وهذا كان القياس وذلك أن المعبر عن المثنى بالمثنى، لكن كرهوا اجتماع تثنيتين فعدلوا إلى الجمع بأن التثنية جمع في المعنى والإفراد، لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر.
كقوله:
* حمامة بطن الواديين ترنمي يريد بطني، وغلط ابن مالك في التسهيل إذ قال: ونختار الإفراد على لفظ التثنية، فتراه غلط ابن مالك في اختياره جواز إضافة الجمع إلى المفرد، كما أنه قال: ولا يجوز ذلك إلا في الشعر، وأنه مع المثنى لكراهية اجتماع التثنيتين، فظهر بطلان قول أبي السعود.
أما الراجح في الوجهين في معنى الناس المتقدم ذكرهما. فهو الوجه الأول، وهو أنهم الإنس، وأن قوله تعالى: * (من الجنة والناس) *، بيان لمن يقوم بالوسوسة، أي بيان للوسواس الخناس وأنه من كل من وسواس الجنة ووسواس الناس.
ويظهر ذلك من أمور:
منها: أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته تبعا له فهو في حق الناس أظهر.
ومنها: أننا لو جعلنا الناس الأولى عامة لمن يوسوس إليه كان من الجنة، والناس مصدر الوسوسة، فيكون من وسواس الناس من يوسوس في صدور الجن. وهذا بعيد.
ومنها: أنه لو كان لفظ الناس يشمل الجن والإنس، لما احتيج إلى هذا التقسيم الجنة والناس، واكتفى في الثانية بما اكتفى به في الأولى، وكان يكون الذي يوسوس في صدور الناس من الناس، ولكن جاء بيان محل الوسوسة صدور الناس، ثم جاء مصدر الوسوسة الجنة والناس، والله تعالى أعلم.
تنبيه ذكر أبو حيان في آخر تفسيره مقارنة لطيفة بين سورتي المعوذتين، فقال: ولما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث: الرب، والملك، والإلاه، وإن اتحد المطلوب.