أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٩ - الصفحة ١٧٥
* (ملك الناس) *، في مجيء ملك الناس بعد رب الناس، تدرج في التنبيه على تلك المعاني العظام، وانتقال بالعباد من مبدإ الإيمان بالرب لما شاهدوه من آثار الربوبية في الخلق والرزق، وجميع تلك الكائنات، كما تقدم في أول نداء وجه إليهم * (اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذى جعل لكم الا رض فراشا والسمآء بنآء وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) *.
كل هذه الآثار التي لمسوها وأقروا بموجبها، بأن الذي أوجدها هو ربهم، ومن ثم ينتقلون إلى الدرجة الثانية، وهي أن ربه الذي هذه أفعاله هو ملكه وهو المتصرف في تلك العوالم، وملك لأمره وجميع شؤونه، ومالك لأمر الدنيا والآخرة جميعا.
فإذا وصل بإقراره إلى هذا الإدراك، أقر له ضرورة بالألوهية وهي المرتبة النهاية. إله الناس أي مألوههم ومعبودهم وهو ما خلقهم إليه، * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) *.
وفي إضافة الملك إلى الناس من إشعار الاختصاص، مع أنه سبحانه ملك كل شيء، فيه ما في إضافة الرب للناس المتقدم بحثه، فهو سبحانه مالك الملك كما في قوله: * (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشآء وتنزع الملك ممن تشآء وتعز من تشآء) *.
وقوله تعالى: * (له الملك وله الحمد) *.
وقوله: * (له ملك السماوات والأرض) *، وقوله: * (الملك القدوس) *.
فهو سبحانه وتعالى المتفرد بالملك لا شريك له في ملكه، كما قال تعالى: * (وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك) * فبدأ بالحمد أولا.
ومثله قوله: * (فسبحان الذى بيده ملكوت كل شىء) *، بدأ بتسبيح نفسه وتنزيهه لعموم الملك ومطلق التصرف ونفي الشريك لأن ملكه ملك تصرف وتدبير مع الكمال في الحمد والتقديس.
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»