أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٩ - الصفحة ١٧٢
أما الإحالة فالذي يظهر أن موجبها هو أنه في هذه السورة الكريمة اجتمعت ثلاث صفات لله تعالى من صفات العظمة والكمال: رب الناس، ملك الناس، إلاه الناس، ولكأنها لأول وهلة تشير إلى الرب الملك هو الإله الحق الذي يستحق أن يعبد وحده.
ولعله ما يرشد إليه مضمون سورة الإخلاص قبلها: هو الله أحد، الله الصمد، وهذا هو منطق العقل والقول الحق، لأن مقتضى الملك يستلزم العبودية، والعبودية تستلزم التأليه والتوحيد في الألوهية، لأن العبد المملوك تجب عليه الطاعة والسمع لمالكه بمجرد الملك، وإن كان مالكه عبدا مثله، فكيف بالعبد المملوك لربه وإلهه، وكيف بالمسالك الإله الواحد الأحد الفرد الصمد؟
وقد جاءت تلك الصفات الثلاث: الرب الملك الإله، في أول افتتاحية أول المصحف: * (الحمد لله رب العالمين * الرحمان الرحيم * مالك يوم الدين) *، والقراءة الأخرى * (مالك يوم الدين) *.
وفي أول سورة البقرة أول نداء يوجه للناس بعبادة الله تعالى وحده، لأنه ربهم مع بيان الموجبات لذلك في قوله تعالى: * (ياأيها الناس اعبدوا ربكم) *.
ثم بين الموجب لذلك بقوله: * (الذى خلقكم والذين من قبلكم) *.
وقوله: * (الذى جعل لكم الا رض فراشا والسمآء بنآء وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) *.
وهذا كله من آثار الربوبية واستحقاقه تعالى على خلقه العبادة، ثم بين موجب إفراده وحده بذلك بقوله: * (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) *.
أي كما أنه لا ند له في الخلق ولا في الرزق ولا في شيء مما ذكر، فلا تجعلوا لله أندادا أيضا في عبادة، وأنتم تعلمون حقيقة ذلك.
وعبادته تعالى وحده ونفى الأنداد، هو ما قال عنه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: معنى لا إلاه إلا الله نفيا وإثباتا.
فالإثبات في قوله تعالى: * (واعبدوا الله) *.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»