أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٩ - الصفحة ١٠٤
وقيل فيها: كالحمصة والعدسة، والضمير في عليهم راجع لأصحاب الفيل، وقصتهم طويلة مشهورة.
تنبيه قد أوردنا نصوص معنى سجيل، وترجيح الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: أنها حجارة من طين شديد القوة تنبيها على ما قيل من استبعاد ذلك، وردا على من صرف معناها إلى غير الحجارة المحسوسة.
أما من استبعدها، فقد حكاه الفخر الرازي بقوله: واعلم أن من الناس من أنكر ذلك.
وقالوا: لو جوزنا أن يكون في الحجارة التي تكون مثل العدسة من الثقل ما يقوى به على أن ينفذ من رأس الإنسان ويخرج من أسفله، لجوزنا أن يكون الجبل العظيم خاليا عن الثقل، وأن يكون في وزن التبنة، وذلك يرفع الأمان عن المشاهدات.
فإنه متى جاز ذلك فليجز أن يكون بحضرتنا شموس وأقمار، ولا نراها، وأن يحصل الإدراك في عين الضرير، حتى يكون هو بالمشرق، ويرى قطعة من الأرض بالأندلس، وكل ذلك محال.
ثم قال: واعلم أن ذلك جائز في مذهبنا، إلا أن العادة جارية بأنها لا تقع.
وهذا القول يحكيه الفخر الرازي المتوفى سنة 606 ستمائة وست، فنرى استبعادهم إياها مبني على تحكيم العقل، وهذا باطل لأن خوارق العادات دائما فوق قانون العقل، بل إن تصورات العقل نفسه منشؤها من تصوراتنا لما نشاهده.
وإذا حدث العقل بما لم يشهده أو يعلم كنه وجوده لاستبعده كما هو في واقعنا اليوم، لو حدثت به العقول سابقا من نقل الحديث، والصورة على الأثير، وتوجيه الطائرات وأمثالها، لما قوي على تصورها لأنها فوق نطاق محسوساته ومشاهداته.
وحتى نحن لو لم يسايرها من علم بما يحمله الأثير من تيار كهربائي، وما له من دور فعال في ذلك لما أمكننا تصوره، ثم من يمنع شيئا من ذلك على قدرته تعالى.
وقد أخبرنا أن تلك الجبال سيأتي يوم تكون فيه كالعهن المنفوش أخف من التبنة،
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»