أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٩٧
ثم قال تعالى: * (وءاتوهم مآ أنفقوا) * أي آتوا المشركين أزواج المؤمنات المهاجرات ما أنفقوا على أزواجهم بعد هجرتهن. فبعد أن أسلمت الزوجة وهاجرت وانحلت العصمة بينها وبين زوجها الكافر، وبعدت عنه بالهجرة وفاتت عليه ولم يقدر عليها، يأمر الله المسلمين أن يؤتوا أزواجهن وهم مشركون، ما أنفقوا من صداق عند الزواج ونحوه مع بقاء الأزواج على الكفر وعجزهم عن استرجاع الزوجات وعدم جواز موالاتهم قطعا لكفرهم، وهذا من المعاملة بالقسط والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا إذا جآءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وءاتوهم مآ أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذآ ءاتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا مآ أنفقتم وليسألوا مآ أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم) *. في قوله تعالى: * (إذا جآءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) * نص على امتحان المؤمنات المهاجرات، وكان صلى الله عليه وسلم يمتحنهن: ما خرجت كرها لزوج أو فرارا لسبب ونحو ذلك. ذكره ابن كثير وغيره.
وقيل: كان امتحانهن بالبيعة الآتية: ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن الآية، ومفهومه أن الرجال المهاجرون لا يمتحنون.
وفعلا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمتحن من هاجر إليه والسبب في امتحانهن دون الرجال، هو ما أشارت إليه هذه الآية في قوله تعالى: * (فإن علمتموهن مؤمنات) *، كأن الهجرة وحدها لا تكفي في حقهن بخلاف الرجال، فقد شهد الله لهم بصدق إيمانهم بالهجرة في قوله * (للفقرآء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولائك هم الصادقون) *، وذلك أن الرجل إذا خرج مهاجرا يعلم أن عليه تبعة الجهاد والنصرة فلا يهاجر إلا وهو صادق الإيمان فلا يحتاج إلى امتحان، ولا يرد عليه مهاجر أم قيس لأنه أمر جانبي، ولا يمنع من المهمة الأساسية للهجرة المنوه عنه في أول هذه السورة * (إن كنتم خرجتم جهادا فى سبيلى) *، بخلاف النساء فليس عليهن جهاد ولا يلزمهن بالهجرة أية تبعية، فأي سبب يواجههن في حياتهن سواء كان بسبب الزوج أو غيره، فإنهن يخرجن باسم الهجرة. فكان ذلك موجبا
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»