أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٦٦
وهذا مما يسمى الاستعارة التمثيلية من أبلغ الأساليب، وأكثر ما في القرآن من أمثلة إنما هو من قبيل التشبيه التمثيلي، وهو تشبيه صورة بصورة، وهو من أوضح أساليب البيان.
وقد ساق الشيخ رحمة الله تعالى عليه، عددا منها في الجزء الرابع عند قوله تعالى: * (ولقد صرفنا فى هاذا القرءان للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شىء جدلا) *، ومن أهم أغراض هذا النوع من التشبيه هو بيان صورة بصورة وجعل الخفي جليا، والمعنوي محسوسا كقوله تعالى: * (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشىء إلا كباسط كفيه إلى المآء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) *.
فلو نظرت إلى مثل هذا الشخص على هذه الحالة، وفي تلك الصورة بكل أجزائها، وهو باسط يده مفرجة الأصابع إلى ماء بعيد عنه، وهو فاغر فاه ليشرب، لقلت وأي جدوى تعود عليه، ومتى يذوق الماء وهو على تلك الحالة، إنه يموت عطشا ولا يذوق منه قطرة.
وكذلك حال من يدعو غير الله مع ما يدعوهم من دونه لا يحصل على طائل كقوله تعالى: * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أوليآء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) * فأي غناء لإنسان في بيت العنكبوت.
وكذلك أي غناء في ولاية غير الله فكذلك الحال هنا، أريد بالأمثال صور يصور لانتزاع الحكم من السامع بعد أن تصبح الصورة محسوسة ملموسة، وانظر قوله تعالى: * (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * وكيف غطى وأخفى في هذا الأسلوب ما يستحي منه وأبرزه بلباسه في التشبيه بما يتقي به، ومدى مطابقة معنى اللباس لحاجة كل من الزوجين للآخر، وتلك في قوله تعالى: * (وتلك الا مثال) * عائدة إلى الأمثلة المتقدمة قريبا في عمل المنافقين مع اليهود ونتائج أعمالهم، وهكذا كل موالاة بين غير المسلمين وكل معاداة وانصراف عما جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وكذلك في بيان مدى فعالية القرآن وتأثيره، لو أنزل على الجبال لخشعت وتصدعت، مما يستوجب التفكير فيه والاتعاظ به، ثم مثال الفريقين في قوله تعالى: * (ولا
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»