المذكورات والتحدث بها شكرها عمليا من إيواء اليتيم كما آواه الله، وإعطاء السائل كما أغناه الله، وتعليم المسترشد كما علمه الله، وهذا من شكر النعمة، أي كما أنعم الله عليك، فتنعم أنت على غيرك تأسيا بفعل الله معك:
وقيل: التحدث بنعمة الله هو التبليغ عن الله من آية وحديث، والنعمة هنا عامة لتنكيرها وإضافتها، كما في قوله تعالى: * (وما بكم من نعمة فمن الله) *، أي كل نعمة، ولكن الذي يظهر أنها في الوحي أظهر أو هو أولى بها، أو هو أعظمها، لقوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الأسلام دينا) *، فقال: نعمتي، وهنا نعمة ربك. ولا يبعد عندي أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما نحر مائة ناقة في حجة الوداع، لما أنزل الله عليه هذه الآية، ففعل شكرا لله على إتمام النعمة بإكمال الدين.
وقد قالوا في مناسبة هذه السورة بما قبلها: إن التي قبلها في الصديق * (وسيجنبها الا تقى * الذى يؤتى ماله يتزكى * وما لاحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغآء وجه ربه الا على * ولسوف يرضى) *، وهنا في الرسول صلى الله عليه وسلم * (ما ودعك ربك وما قلى * وللا خرة خير لك من الا ولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى) *، مع الفارق الكبير في العطاء والخطاب.
والواقع أن مناسبات السور القصار، أظهر من مناسبات الآي في السورة الواحدة، كما بين هاتين السورتين والليل مع والضحى، ثم ما بين والضحى وألم نشرح، إنها تتمة النعم التي يعددها الله تعالى على رسوله.
وهكذا على ما ستأتي الإشارة إليه في محله إن شاء الله تعالى. أعلم علما بأن بعض العلماء لم يعتبر تلك المناسبات.
ولكن ما كانت المناسبة فيه واضحة، فلا ينبغي إغفاله، وما كانت خفية لا ينبغي التكلف له.