وفي هذا المجال مبحث عصمة الأنبياء عموما، وهو مبحث أصولي يحققه كتب الأصول لسلامة الدعوة، وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحثه في سورة طه عند الكلام على قوله تعالى: * (وعصىءادم ربه فغوى) *، وأورد كلام المعتزلة والشيعة والحشوية، ومقياس ذلك، عقلا وشرعا، وفي سورة ص عند قوله تعالى: * (وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه) *، ونبه عندها على أن كل ما يقال في داود عليه السلام حول هذا المعنى، كله إسرائيليات لا تليق بمقام النبوة. ا ه.
أما في خصوصه صلى الله عليه وسلم، فإنا نورد الآتي: إنه مهما يكن من شيء، فإن عصمته صلى الله عليه وسلم من الكبائر والصغائر بعد البعثة يجب القطع بها، لنص القرآن الكريم في قوله تعالى: * (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة) * لوجوب التأسي به وامتناع أن يكون فيه شيء من ذلك قطعا.
أما قبل البعثة، فالعصمة من الكبائر أيضا، يجب الجزم بها لأنه صلى الله عليه وسلم كان في مقام التهيؤ للنبوة من صغره، وقد شق صدره في سن الرضاع، وأخرج منه حظ الشيطان، ثم إنه لو كان قد وقع منه شيء لأخذوه عليه حين عارضوه في دعوته، ولم يذكر من ذلك ولا شيء فلم يبق إلا القول في الصغائر، فهي دائرة بين الجواز والمنع، فإن كانت جائزة ووقعت، فلا تمس مقامه صلى الله عليه وسلم لوقوعها قبل البعثة والتكليف، وأنها قد غفرت وحط عنه ثقلها، فإن لم تقع ولم تكن جائزة في حقه، فهذا المطلوب.
وقد ساق الألوسي رحمه الله في تفسيره: أن عمه أبا طالب، قال لأخيه العباس يوما: (لقد ضمته إلي وما فارقته ليلا ولا نهارا ولا ائتمنت عليه أحدا)، وذكر قصة بنبيه ومنامه في وسط أولاده أول الليل، ثم نقله أباه محل أحد أبنائه حفاظا عليه، ثم قال: (ولم أر منه كذبة ولا ضحكا ولا جاهلية، ولا وقف مع الصبيان وهم يلعبون).
وذكرت كتب التفسير أنه صلى الله عليه وسلم أراد مرة في صغره أن يذهب لمحل عرس ليرى ما فيه، فلما دنا منه أخذه النوم ولم يصح إلا على حر الشمس، فصانه الله من رؤية أو سماع، شيء من ذلك.
ومنه قصة مشاركته في بناء الكعبة حين تعرى ومنع منه حالا، وعلى المنع من وقوع شيء منه صلى الله عليه وسلم بقي الجواب على معنى الآية، فيقال والله تعالى أعلم: إنه تكريم له صلى الله عليه وسلم كما