أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٥٦٢
وهذا مما يذكره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من تعداد النعم عليه، وأنه لم يودعه وما قلاه، لقد كان فقيرا من المال فأغناه الله بمال عمه.
وقد قال عمه في خطبة نكاحه بخديجة: وإن كان في المال قل فما أحببتم من الصداق، فعلي، ثم أغناه الله بمال خديجة، حيث جعلت مالها تحت يده.
قال النيسابوري ما نصه: يروى أنه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهو مغموم، فقالت: مالك؟ فقال: الزمان زمان قحط، فإن أنا بذلت المال ينفد مالك، فأستحي منك، وإن أنا لم أبذل أخاف الله، فدعت قريشا وفيهم الصديق، قال الصديق: فأخرجت دنانير حتى وضعتها، بلغت مبانا لم يقع بصري على من كان جالسا قدامي، ثم قالت: اشهدوا أن هذا المال ماله، إن شاء فرقه وإن شاء أمسكه.
فهذه القصة وإن لم يذكر سندها، فليس بغريب على خديجة رضي الله عنها أن تفعل ذلك له صلى الله عليه وسلم، وقد فعلت ما هو أعظم من ذلك، حين دخلت معه الشعب فتركت مالها، واختارت مشاركته صلى الله عليه وسلم لما هو فيه من ضيق العيش، حتى أكلوا ورق الشجر، وأموالها طائلة في بيتها.
ثم كانت الهجرة وكانت مواساة الأنصار، لقد قدم المدينة تاركا ماله ومال خديجة، حتى إن الصديق ليدفع ثمن المربد لبناء المسجد، وكان بعد ذلك فيء بنى النضير، وكان يقضي الهلال ثم الهلال ثم الهلال، لا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار، إنما هما الأسودان: التمر والماء.
ثم جاءت غنائم حنين، فأعطى عطاء من لا يخشى الفقر، ورجع بدون شيء، وجاء مال البحرين فأخذ العباس ما يطيق حمله، وأخيرا توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة في آصع من شعير.
وقوله تعالى: * (ووجدك عآئلا فأغنى) *، يشير إلى هذا الموضع، لأن أغنى تعبير بالفعل، وهو يدل على التجدد والحدوث، فقد كان صلى الله عليه وسلم من حيث المال حالا فحالا، والواقع أن غناه صلى الله عليه وسلم كان قبل كل شيء، هو غنى النفس والاستغناء عن الناس، ويكفي أنه صلى الله عليه وسلم أجود الناس.
وكان إذا لقيه جبريل ودارسه القرآن كالريح المرسلة، فكان صلى الله عليه وسلم القدوة في
(٥٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 557 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 ... » »»