من صغره إلى شبابه وكبره، ثم اصطفائه بالرسالة، ثم حفظه من الناس، ثم نصره على الأعداء، وإظهار دينه وإعلاء كلمته.
ومن الناحية المعنوية ما جاء في السورة بعدها: * (ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذى أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك) *.
أما خيرية الآخرة على الأولى، فعلى حد قوله: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) *، وليس بعد الرضى مطلب، وفي الجملة: فإن الأولى دار عمل وتكليف وجهاد، والآخرة دار جزاء وثواب وإكرام، فهي لا شك أفضل من الأولى. * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) *. جاء مؤكدا باللام وسوف، وقال بعض العلماء: يعطيه في الدنيا من إتمام الدين وإعلاء كلمة الله، والنصر على الأعداء.
والجمهور: أنه في الآخرة، وهذا وإن كان على سبيل الإجمال، إلا أنه فصل في بعض المواضع، فأعظمها ما أشار إليه قوله تعالى: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *.
وجاء في السنة بيان المقام المحمود وهو الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، كما في حديث الشفاعة العظمى حين يتخلى كل نبي، ويقول: (نفسي نفسي، حتى يصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها أنا لها) إلخ.
ومنها: الحوض المورود، وما خصت به أمته غرا محجلين، يردون عليه الحوض.
ومنها: الوسيلة، وهي منزلة رفيعة عالية لا تنبغي إلا لعبد واحد، كما في الحديث: (إذ سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي وسلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد واحد، وأرجو أن أكون أنا هو).
وإذا كانت لعبد واحد فمن يستقدم عليها، وإذا رجا ربه أن تكون له طلب من الأمة طلبها له، فهو مما يؤكد أنها له، وإلا لما طلبها ولا ترجاها، ولا أمر بطلبها له. وهو بلا شك أحق بها من جميع الخلق، إذ الخلق أفضلهم الرسل، وهو صلى الله عليه وسلم مقدم عليهم في الدنيا، كما في الإسراء تقدم عليهم في الصلاة في بيت المقدس.