أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٤٩٣
.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان هذه الآية عند قوله تعالى: * (خلق الإنسان من نطفة) *، في سورة النحل، وفي سورة الواقعة عند قوله تعالى: * (أفرءيتم ما تمنون * أءنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) *، وتقدمت الإشارة إليه عند قوله تعالى: * (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) *، في سورة الدهر. * (إنه على رجعه لقادر) *. (إنه) هنا أي إن الله على رجعه، الضمير فيه، قيل: راجع للماء الدافق، أي أنه سبحانه قادر على رجع هذا الماء من حيث خرج، كرد اللبن إلى الضرع مثلا، ورد الطفل إلى الرحم، وهذا مروي عن عكرمة ومجاهد.
وقيل: على رجع الإنسان بعد الموت، وهذا وإن كان في الأول دلالة على القدرة، ولا يقدر عليه إلا الله، إلا أن في السياق ما يدل على أن المراد، هو الثاني لعدة أمور:
الأول: أن رد الماء لم يتعلق به حكم ولا أمر آخر سوى إثبات القدرة بخلاف رجع الإنسان بعد الموت، فهو قضية الإيمان بالبعث. ويتعلق به كل أحكام يوم القيامة.
الثاني: مجيء القرآن بالخلق الأول، دليل على الإعادة بعد الموت، كقوله تعالى في يس: * (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه) * أي من ماء دافق * (قال من يحى العظام وهى رميم قل يحييها الذى أنشأهآ أول مرة) *، أي من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب.
الثالث: أن الأول يحتاج معه إلى تقدير عامل ليوم تبلى السرائر، نحو اذكر مثلا بخلاف الثاني، فإن العامل فيه: هو لقادر، أي لقادر على رجعه يوم تبلى السرائر.
ونقل أبو حيان عن ابن عطية قوله: وكل من خالف ذلك إنما فر من أن يكون (لقادر) هو العامل في الظرف، لأنه يوهم أن قدرته على رجعه مقيدة بذلك. ولكن بتأمل أسلوب العرب يعلم جوازه، لأنه قال: * (إنه على رجعه لقادر) * على الإطلاق أولا وآخرا، وفي كل وقت ثم ذكر تعالى: وخصص من الأوقات الوقت الأهم
(٤٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 ... » »»