أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٤٣٣
قوله تعالى: * (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى) * إلى قوله * (ومآ أنا بطارد الذين ءامنوا إنهم ملاقو ربهم ولاكنى أراكم قوما تجهلون) *.
وقد دلت هذه الآية وأمثالها، على صدق مقالة هرقل حينما سأل أبا سفيان، عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم: أهم سادة القوم أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم. فقال: هكذا هم أتباع الرسل.
وقال العلماء في ذلك: لأنهم أقرب إلى الفطرة، وأبعد عن السلطان والجاه، فليس لديهم حرص على منصب يضيع، ولا جاه يهدر، ويجدون في الدين عزا ورفعة، وهكذا كان بلال وصهيب وعمار، وهكذا هو ابن أم مكتوم رضي الله عنهم. * (أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى) *. بيان لموقفه صلى الله عليه وسلم من جميع الأمة، وحرصه على إسلام الجميع حتى من أعرض واستغنى، شفقة بهم ورحمة، كما بين تعالى حاله صلى الله عليه وسلم بقوله: * (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم) * وكقوله: * (فلعلك باخع نفسك علىءاثارهم إن لم يؤمنوا بهاذا الحديث أسفا) *.
وقوله: * (وما عليك ألا يزكى) *، بيان أنه صلى الله عليه وسلم ليس عليه ممن لا يتزكى، وقد صرح تعالى بذلك في قوله: * (إنمآ أنت منذر) * وقوله: * (إن عليك إلا البلاغ) *، وقوله: * (ليس عليك هداهم) *، ومثل ذلك.
وقد جمع الأمرين من الجانبين في قوله تعالى عن نوح عليه السلام * (ومآ أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين) *. * (كلا إنها تذكرة * فمن شآء ذكره * فى صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدى سفرة * كرام بررة) *. معلوم أن كلمة: كلا: ردع عما سبق، وهو في جملته منصب على التصدي لمن استغنى؟ والإلحاح عليهم والحرص على سماعهم منه، ولكن الله تعالى يقول: إن منزلة القرآن والوحي والدين أعلى منزلة من أن تبذل لقوم هذه حالتهم فهي على ما هي عليه من
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»