أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٤٣٠
((سورة عبس)) * (عبس وتولى * أن جآءه الا عمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما من جآءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى * كلا إنها تذكرة * فمن شآء ذكره * فى صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدى سفرة * كرام بررة * قتل الإنسان مآ أكفره * من أى شىء خلقه * من نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته فأقبره * ثم إذا شآء أنشره * كلا لما يقض مآ أمره * فلينظر الإنسان إلى طعامه * ثم شققنا الا رض شقا * فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدآئق غلبا * وفاكهة وأبا * متاعا لكم ولانعامكم * فإذا جآءت الصآخة * يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه * وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولائك هم الكفرة الفجرة) * * (عبس وتولى * أن جآءه الا عمى) *. سبب نزول هذه السورة باتفاق المفسرين، أنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بدعوة صناديد قريش، فأتاه ابن أم مكتوم، وهو رجل أعمى وقال: (أقرئني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمني مما علمك الله) وكرر ذلك، فلم يتفق ذلك وما هو مشتغل به صلى الله عليه وسلم، وما يرجوه مما هو أعظم، فعبس وتولى عنه منصرفا، لما هو مشتغل به.
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على قوله تعالى: * (أن جآءه الا عمى) * ما نصه: عبر تعالى عن هذا الصحابي الجليل الذي هو عبد الله بن أم مكتوم، بلقب يكرهه الناس، مع أنه قال: * (ولا تنابزوا بالا لقاب) *.
والجواب: هو ما نبه عليه بعض العلماء: من أن السر في التعبير عنه بلفظ الأعمى، للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه لو كان يرى ما هو مشتغل به مع صناديد الكفار لما قطع كلامه ا ه منه بلفظه.
وقال الفخر الرازي: إنه وإن كان أعمى لا يرى، فإنه يسمع وبسماعه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقدامه على مقاطعته يكون مرتكبا معصية، فكيف يعاتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكلامه هذا يشعر بأنه إن كان معذورا لعدم الرؤية، فليس معذورا لإمكان سماعه، ولكن ذكره بوصفه ليوجب العطف عليه والرفق به.
والظاهر والله تعالى أعلم: أن كلام الرازي ليس بعيدا عما ذكره الشيخ، لأن معناه أنه عاتبه لعدم رفقه به. ومراعاة حالة عماه.
فعليه، يكون ذكره بهذا الوصف من باب التعريض بغيره من أولئك الصناديد وسادة القوم، وكأنه يقول لهم: * (فإنها لا تعمى الا بصار ولاكن تعمى القلوب التى فى الصدور) *،
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»