وقد أطال في الهداية الكلام عليها، ولعل أحسن ما يقال في ذلك ما جاء عن عمر رضي الله عنه في سنن الدارقطني، قال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر رضي الله عنه، فقالوا: إنا قد أصبنا أموالا وخيلا ورقيقا، وإنا نحب أن نزكيه، فقال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله أنا، ثم استشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: حسن، وسكت علي، فسأله، فقال: هو حسن لو لم تكن جزية راتبة يؤخذون بها بعدك. فأخذ من الفرس عشرة دراهم، وفيه: فوضع على الفرس دينارا.
وفي المنتقى عن أحمد رحمه الله أنهم قالوا: نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور، فهي إذا دائرة بين الاستحباب والترك.
وقد جاء في نفس الحديث الطويل المتقدم أنهم قالوا: والحمر يا رسول الله فقال: (ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * رواه الستة إلا الترمذي.
وعليه فإن الأحاديث التي هي نص في الوجوب أو للترك لم تصلح للاحتجاج، والحديث الذي فيه الاحتمال في معنى حق الله في ظهورها ورقابها، قال ابن عبد البر: إنه مجمل، فلم يكن في النصوص المرفوعة متمسك للأحناف في قولهم بوجوب زكاة الخيل، وبقي مفهوم الحديث.
وقول عمر رضي الله عنه. أما مفهوم الحديث فقد أشرنا إلى القرائن التي فيه على عدم الوجوب.
وأما فعل عمر رضي الله عنه ففيه قرائن أيضا، بل أدلة على عدم الوجوب وهي أولا لأنهم هم الذين طلبوا منه أن يزكيها ويطهرها بالمزكاة وإيجاب الزكاة لا يتوقف على رغبة المالك.
ثانيا: توقف عمر وعدم أخذها منهم لأول مرة، ولو كانت معلومة له مزكاة لما خفيت عليه ولما توقف.
ثالثا: تصريحه بأنه لم يفعله صاحباه من قبله، فكيف يفعله هو؟
رابعا: قول علي: ما لم تكن جزية من بعدك. أي: إن أخذها عمر استجابة لرغبة أولئك فلا بأس لتبرعهم بها، ما لم يكن ذلك سببا لجعلها لازمة على غيرهم فتكون كالجزية على المسلمين.
ومما يستدل به للجمهور حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق فأدوا زكاة