أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٢٩
وقيل في سبب نزولها: إن اليهود قالوا: يا محمد إنك تنهي عن الفساد، فما بالك تأمر بقطع الأشجار؟ فأنزل الله الآية.
وقيل: إن المسلمين نهى بعضهم بعضا عن قطع النخيل، وقالوا إنما هو مغانم المسلمين، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطع من الإثم، وأن قطع ما قطع وترك ما ترك * (فبإذن الله وليخزى الفاسقين) *.
وعلى هذه الأقوال، قال ابن كثير وغيره: إن قوله تعالى: * (فبإذن الله) * أي الإذن القدري والمشيئة الإلهية، أي كما في قوله تعالى: * (ومآ أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله) *، وقوله: * (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) *.
والذي يظهر والله تعالى أعلم. أن الإذن المذكور في الآية، هو إذن شرعي، وهو ما يؤخذ من عموم الإذن في قوله تعالى: * (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) *، لأن الإذن بالقتال إذن بكل ما يتطلبه بناء على قاعدة الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به.
والحصار نوع من القتال، ولعل من مصلحة الحصار قطع بعض النخيل لتمام الرؤية، أو لإحكام الحصار، أو لإذلال وإرهاب العدو في حصاره وإشعاره بعجزه عن حماية أمواله وممتلكاته، وقد يكون فيه إثارة له ليندفع في حمية للدفاع عن ممتلكاته وأمواله، فينكشف عن حصونه ويسهل القضاء عليه، إلى غير ذلك من الأغراض الحربية، والتي أشار الله تعالى إليها في قوله: * (وليخزى الفاسقين) * أي بعجزهم وإذلالهم وحسرتهم، وهم يرون نخيلهم يقطع ويحرق فلا يملكون له دفعا. وعلى كل فالذي أذن بالقتال وهو سفك الدماء وإزهاق الأنفس وما يترتب عليه من سبي وغنائم لا يمنع في مثل قطع النخيل إن لزم الأمر، ويمكن أن يقال: إن ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبإذن الله أذن.
وبهذا يمكن أن يقال: إذا حاصر المسلمون عدوا، ورأوا أن من مصلحتهم أو من مذلة العدو إتلاف منشآته وأمواله، فلا مانع من ذلك. والله تعالى أعلم.
وغاية ما فيه، أنه إتلاف بعض المال للتغلب على العدو وأخذ جميع ماله، وهذا له
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»