هذا مرارا، وقوله تعالى: * (أفرءيتم ما تمنون) * يعني أفرأيتم ما تصبونه من المني في أرحام النساء، فلفظة ما موصولة، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد إلى الصفة محذوف، لأنه منصوب بفعل، والتقدير: أفرأيتم ما تمنونه، والعرب تقول: أمنى النطفة بصيغة الرباعي، يمنيها بضم حرف المضارعة، إذا أراقها في رحم المرأة، ومنه قوله تعالى: * (من نطفة إذا تمنى) * ومنى يمنى بصيغة الثلاثي لغة صحيحة. إلا أن القراءة بها شاذة.
وممن قرأ تمنون بفتح التاء مضارع في الثلاثي المجرد، أبو السمال وابن السميقع، وقوله تعالى: * (أءنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) * استفهام تقرير، فإنهم لا بد أن يقولوا: أنتم الخالقون، فيقال لهم: إذا كنا خلقنا هذا الإنسان الخصيم المبين من تلك النطفة التي تمنى في الرحم، فكيف تكذبون بقدرتنا على خلقه مرة أخرى، وأنتم تعلمون أن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من الابتداء، والضمير المنصوب في تخلقونه عائد إلى الموصول أي تخلقون ما تمنونه من النطف علقا، ثم مضغا إلى آخر أطواره.
وهذا الذي تضمنته هذه الآية من البراهين القاطعة على كمال قدرة الله على البعث وغيره، وعلى أنه المعبود وحده، ببيان أطوار خلق الإنسان، جاء موضحا في آيات أخر، وقد قدمنا الكلام على ذلك مستوفى بالآيات القرآنية، وبينا ما يتعلق بكل طور من أطواره من الأحكام الشرعية في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: * (ياأيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) *.
وذكرنا أطوار خلق الإنسان في سورة الرحمان أيضا في الكلام على قوله تعالى: * (خلق الإنسان علمه البيان) * وفي غير ذلك من المواضع.
وبينا الآيات الدالة على أطوار خلقه جملة وتفصيلا في الحج.
تنبيه هذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة مني تمنى، يجب على كل إنسان النظر فيه، لأن الله جل وعلا وجه صفة الأمر بالنظر فيه إلى مني الإنسان، والأصل في صيغة الأمر على التحقيق الوجوب إلا لدليل صارف عنه، وذلك في قوله تعالى: * (فلينظر الإنسان مم خلق خلق من مآء دافق) *، وقد قدمنا