وقال تعالى في أول سورة الملك: * (الذى خلق الموت والحيواة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) *.
وقال تعالى في أول سورة الكهف: * (إنا جعلنا ما على الا رض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) *.
فتصريحه جل وعلا في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق، هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملا، يفسر قوله * (ليعبدون) *. وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
ومعلوم أن نتيجة العمل المقصود منه لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولا وبعثهم ثانيا، هو جزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وذلك في قوله تعالى في أول يونس: * (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزى الذين ءامنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) *، وقوله في النجم: * (ولله ما فى السماوات وما فى الا رض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) *.
وقد أنكر تعالى على الإنسان حسبانه وظنه أنه يترك سدى، أي مهملا، لم يؤمر ولم ينه، وبين أنه ما نقله من طور إلى طور حتى أوجده إلا ليبعثه بعد الموت أي ويجازيه على عمله، قال تعالى: * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من منى يمنى) * إلى قوله * (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) *.
والبراهين على البعث دالة على الجزاء، وقد نزه تعالى نفسه عن هذا الظن الذي ظنه الكفار به تعالى، وهو أنه لا يبعث الخلق ولا يجازيهم منكرا ذلك عليهم في قوله: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إلاه إلا هو رب العرش الكريم) *.
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في أول سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى: * (ما خلقنا السماوات والا رض وما بينهمآ إلا بالحق وأجل مسمى) *.
تنبيه اعلم أن الآيات الدالة على حكمة خلق الله للسماوات والأرض وأهلهما وما بينهما