أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣٩٣
((سورة الفتح)) * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا * هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والا رض وكان الله عليما حكيما * ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الا نهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما * ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظآنين بالله ظن السوء عليهم دآئرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وسآءت مصيرا * ولله جنود السماوات والا رض وكان الله عزيزا حكيما * إنآ أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا * إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما * سيقول لك المخلفون من الا عراب شغلتنآ أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا * بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك فى قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا * ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنآ أعتدنا للكافرين سعيرا * ولله ملك السماوات والا رض يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء وكان الله غفورا رحيما * سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا * قل للمخلفين من الا عراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما * ليس على الا عمى حرج ولا على الا عرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الا نهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما * لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما * وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هاذه وكف أيدى الناس عنكم ولتكون ءاية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما * وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شىء قديرا * ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الا دبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا * سنة الله التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا * وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا * هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونسآء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله فى رحمته من يشآء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما * إذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شىء عليما * لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شآء الله ءامنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا * هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) * قوله تعالى: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) *. التحقيق الذي عليه الجمهور أن المراد بهذا الفتح صلح الحديبية، لأنه فتح عظيم.
وإيضاح ذلك أن الصلح المذكور هو السبب الذي تهيأ به للمسلمين أن يجتمعوا بالكفار فيدعوهم إلى الإسلام وبينوا لهم محاسنه.
فدخل كثير من قبائل العرب بسبب ذلك في الإسلام.
ومما يوضح ذلك أن الذين شهدوا صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عام ست كانوا ألفا وأربعمائة.
ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو مكة حين نقض الكفار العهد، كان خروجه إلى مكة في رمضان عام ثمان.
وكان معه عشرة آلاف مقاتل، وذلك يوضح أن الصلح المذكور من أعظم الفتوح لكونه سببا لقوة المسلمين وكثرة عددهم.
وليس المراد بالفتح المذكور فتح مكة، وإن قال بذلك جماعة من أهل العلم.
وإنما قلنا ذلك لأن أكثر أهل العلم على ما قلنا.
ولأن ظاهر القرآن يدل عليه لأن سورة الفتح هذه نزلت بعد صلح الحديبية في طريقه صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة.
ولفظ الماضي في قوله: * (إنا فتحنا) * يدل على أن ذلك الفتح قد مضى، فدعوى أنه فتح مكة ولم يقع إلا بعد ذلك بقرب سنتين خلاف الظاهر.
والآية التي في فتح مكة دلت على الاستقبال لا على المضي، وهي قوله تعالى: * (إذا جآء نصر الله والفتح) *.
وقد أوضحنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب معنى اللام في قوله:
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»