قد قدمنا الآيات الموضحة له، في سورة الزخرف، في الكلام على قوله تعالى * (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) *. قوله تعالى: * (فأنى لهم إذا جآءتهم ذكراهم) *. التحقيق إن شاء الله تعالى، في معنى هذه الآية الكريمة، أن الكفار يوم القيامة، إذا جاءتهم الساعة، يتذكرون ويؤمنون بالله ورسله، وأن الإيمان في ذلك الوقت لا ينفعهم لفوات وقته فقوله * (ذكراهم) * مبتدأ خبره * (فأنى لهم) * أي كيف تنفعهم ذكراهم وإيمانهم بالله، وقد فات الوقت الذي يقبل فيه الإيمان.
والضمير المرفوع في * (جآءتهم) * عائد إلى الساعة التي هي القيامة.
وهذا المعنى، الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، من أن الكفار يوم القيامة يؤمنون، ولا ينفعهم إيمانهم جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى * (وقالوا ءامنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) *، وقوله تعالى: * (وجىء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) *.
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى * (هل ينظرون إلا تأويله) * إلى قوله * (أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل) *.
فظهر أن قوله * (فأنى لهم إذا جآءتهم ذكراهم) * على حذف مضاف، أي أني لهم نفع ذكراهم.
والذكرى اسم مصدر بمعنى الاتعاظ الحامل على الإيمان. قوله تعالى: * (فإذآ أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين فى قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه إذا أنزل سورة محكمة، أي متقنة الألفاظ والمعاني، واضحة الدلالة، لا نسخ فيها وذكر فيها وجوب قتال الكفار، تسبب عن ذلك، كون الذين في قلوبهم مرض أي شك ونفاق، ينظرون كنظر الإنسان الذي يغشى عليه لأنه في سياق الموت، لأن نظر من كان كذلك تدور فيه عينه ويزيغ بصره.