أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٦
قوله تعالى: * (ياقومنآ أجيبوا داعى الله وءامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم) *. منطوق هذه الآية أن من أجاب داعي الله محمدا صلى الله عليه وسلم وآمن به، وبما جاء به، من الحق غفر الله له ذنوبه. وأجاره من العذاب الأليم، ومفهومها، أعني مفهوم مخالفتها، والمعروف بدليل الخطاب، أن من لم يجب داعي الله من الجن، ولم يؤمن به لم يغفر له، ولم يجره، من عذاب أليم، بل يعذبه ويدخله النار، وهذا المفهوم جاء مصرحا به مبينا في آيات أخر، كقوله تعالى: * (وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين) *. وقوله تعالى: * (ولاكن حق القول منى لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * وقوله تعالى * (قال ادخلوا فى أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس فى النار) *: وقوله تعالى * (فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون) * إلى غير ذلك من الآيات.
أما دخول المؤمنين، المجيبين داعي الله من الجن، الجنة فلم تتعرض له الآية الكريمة بإثبات ولا نفي، وقد دلت آية أخرى على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة، وهي قوله تعالى في سورة الرحمن: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى ءالاء ربكما تكذبان) * وبه تعلم أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم، قائلين إنه يفهم من هذه الآية، من أن المؤمنين من الجن لا يدخلون الجنة، وأن جزاء إيمانهم وإجابتهم داعي الله، هو الغفران وإجارتهم من العذاب الأليم فقط، كما هو نص الآية، كله خلاف التحقيق.
وقد أوضحنا ذلك في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب، عن آيات الكتاب) في الكلام على هذه الآية، من سورة الأحقاف فقلنا فيه ما نصه:
هذه الآية، يفهم من ظاهرها، أن جزاء المطيع من الجن غفران ذنوبه، وإجارته من عذاب أليم، لا دخوله الجنة.
وقد تمسك جماعة من العلماء منهم الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، بظاهر هذه الآية، فقالوا إن المؤمنين المطيعين من الجن لا يدخلون الجنة، مع أنه جاء في آية أخرى، ما يدل على أن مؤمنيهم في الجنة وهي قوله تعالى * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) *، لأنه تعالى بين شموله للجن والإنس، بقوله * (فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»