ويستأنس لهذا بقوله تعالى * (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جآن) * فإنه يشير إلى أن في الجنة جنا يطمثون النساء كالإنس.
والجواب عن هذا، أن آية الأحقاف، نص فيها على الغفران، والإجارة من العذاب، ولم يتعرض فيها لدخول الجنة، بنفي ولا إثبات، وآية الرحمان نص فيها على دخولهم الجنة، لأنه تعالى قال فيها: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) *.
وقد تقرر في الأصول أن الموصولات من صيغ العموم، فقوله: * (ولمن خاف) *، يعم كل خائف مقام ربه، ثم صرح بشمول ذلك الجن والإنس معا بقوله: * (فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
فبين أن الوعد بالجنتين لمن خاف مقام ربه من آلائه، أي نعمه على الإنس والجن، فلا تعارض بين الآيتين، لأن إحداهما بينت ما لم تعرض له الأخرى.
ولو سلمنا أن قوله: * (يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم) *، يفهم منه عدم دخولهم الجنة، فإنه إنما يدل عليه بالمفهوم، وقوله: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * * (فبأى ءالاء ربكما تكذبان) * يدل على دخولهم الجنة بعموم المنطوق.
والمنطوق مقدم على المفهوم كما تقرر في الأصول.
ولا يخفى أنا إذا أردنا تحقيق هذا المفهوم المدعي وجدناه معدوما من أصله للإجماع على أن قسمة المفهوم ثنائية، إما أن يكون مفهوم موافقة أو مخالفة ولا ثالث.
ولا يدخل هذا المفهوم المدعي في شيء من أقسام المفهومين.
أما عدم دخوله في مفهوم الموافقة بقسميه فواضح.
وأما عدم دخوله في شيء من أنواع مفهوم المخالفة، فلأن عدم دخوله في مفهوم الحصر أو الغاية أو العدد أو الصفة أو الظرف واضح.
فلم يبق من أنواع مفهوم المخالفة يتوهم دخوله فيه إلا مفهوم الشرط أو اللقب، وليس داخلا في واحد منهما.
فظهر عدم دخوله فيه أصلا.
أما وجه توهم دخوله في مفهوم الشرط، فلأن قوله: * (يغفر لكم من ذنوبكم) *