المذكورين في قوله تعالى: * (إنا لذائقون) *، أي: العذاب الأليم. وقوله تعالى: * (فإنهم يومئذ فى العذاب مشتركون) *، أنه يفعل مثله من التعذيب والتنكيل بالمجرمين، والمجرمون جمع مجرم، وهو مرتكب الجريمة وهي الذنب الذي يستحق صاحبه عليه التنكيل الشديد، ثم بين العلة لذلك التعذيب؛ لأنها هي امتناعهم من كلمة التوحيد التي هي لا إلاه إلا الله، إذا طلب منهم الأنبياء وأتباعهم أن يقولوا ذلك في دار الدنيا. فلفظة إن في قوله تعالى: * (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إلاه إلا الله يستكبرون) *، من حروف التعليل؛ كما تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه.
وعليه فالمعنى: * (كذلك نفعل بالمجرمين) * لأجل أنهم كانوا في دار الدنيا، إذا قيل لهم: * (لا إلاه إلا الله يستكبرون) *، أي: يتكبرون عن قبولها ولا يرضون أن يكونوا أتباعا للرسل.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، من كون ذلك هو سبب تعذيبهم بالنار، دلت عليه آيات؛ كقوله تعالى مبينا دخولهم النار: * (ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلى الكبير) *، وقوله تعالى في ذكر صفات الكفار وهم أهل النار: * (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) *.
* (ويقولون أءنا لتاركو ءالهتنا لشاعر مجنون * بل جآء بالحق وصدق المرسلين * إنكم لذآئقو العذاب الا ليم * وما تجزون إلا ما كنتم تعملون * إلا عباد الله المخلصين * أولائك لهم رزق معلوم * فواكه وهم مكرمون * فى جنات النعيم * على سرر متقابلين * يطاف عليهم بكأس من معين * بيضآء لذة للشاربين * لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون * وعندهم قاصرات الطرف عين * كأنهن بيض مكنون * فأقبل بعضهم على بعض يتسآءلون * قال قآئل منهم إنى كان لى قرين * يقول أءنك لمن المصدقين * أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرءاه فى سوآء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين * ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الا ولى وما نحن بمعذبين * إن هاذا لهو الفوز العظيم * لمثل هاذا فليعمل العاملون * أذالك خير نزلا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم * طلعها كأنه رءوس الشياطين * فإنهم لاكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم * إنهم ألفوا ءابآءهم ضآلين * فهم علىءاثارهم يهرعون * ولقد ضل قبلهم أكثر الا ولين * ولقد أرسلنا فيهم منذرين * فانظر كيف كان عاقبة المنذرين * إلا عباد الله المخلصين * ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين * وتركنا عليه فى الا خرين * سلام على نوح فى العالمين * إنا كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * ثم أغرقنا الا خرين * وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جآء ربه بقلب سليم * إذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون * أءفكا ءالهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين * فنظر نظرة فى النجوم * فقال إنى سقيم * فتولوا عنه مدبرين * فراغ إلىءالهتهم فقال ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين * فأقبلوا إليه يزفون * قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون * قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه فى الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الا سفلين * وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين * رب هب لى من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شآء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن ياإبراهيم * قد صدقت الرؤيآ إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هاذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه فى الا خرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) * * (ويقولون أءنا لتاركو ءالهتنا لشاعر مجنون) *. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة (الشعراء)، في الكلام على قوله تعالى: * (والشعراء يتبعهم الغاوون) *. * (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) *. قد قدمنا تفسيره مع ذكر الآيات الدالة على معناه في سورة (المائدة)، في الكلام على قوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا إنما * الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) *، وبينا هنا كلام أهل العلم في نجاسة عين خمر الدنيا دون خمر الآخرة، وأن ذلك يشير إلى قوله تعالى: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) *.