فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولاكن لا تفقهون تسبيحهم) *، ومنها قوله تعالى: * (وسخرنا مع * داوود الجبال يسبحن) *، إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك قصة حنين الجذع، الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم لما انتقل بالخطبة إلى المنبر، وهي في صحيح البخاري وغيره.
ومنها ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إني لأعرف حجرا كان يسلم علي في مكة)، وأمثال هذا كثيرة. فكل ذلك المذكور في الكتاب والسنة إنما يكون بإدراك يعلمه الله، ونحن لا نعلمه؛ كما قال تعالى: * (ولاكن لا تفقهون تسبيحهم) *، ولو كان المراد بتسبيح الجمادات دلالتها على خالقها لكنا نفقهه، كما هو معلوم، وقد دلت عليه آيات كثيرة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) *، الظاهر أن المراد بالإنسان آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأن الضمير في قوله: * (إنه كان ظلوما جهولا) *، راجع للفظ: * (الإنسان) *، مجردا عن إرادة المذكور منه، الذي هو آدم.
والمعنى: أنه أي الإنسان الذي لا يحفظ الأمانة * (كان ظلوما جهولا) *، أي: كثير الظلم والجهل، والدليل على هذا أمران:
أحدهما: قرينة قرءانية دالة على انقسام الإنسان في حمل الأمانة المذكورة إلى معذب ومرحوم في قوله تعالى بعده، متصلا به: * (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما) *، فدل هذا على أن الظلوم الجهول من الإنسان هو المعذب، والعياذ بالله، وهم المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات، دون المؤمنين والمؤمنات. واللام في قوله: * (ليعذب) *: لام التعليل، وهي متعلقة بقوله: * (وحملها الإنسان) *.
الأمر الثاني: أن الأسلوب المذكور الذي هو رجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرءان، وقد جاء فعلا في آية من كتاب الله، وهي قوله تعالى * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا فى كتاب) *؛