لهن والله سميع عليم) *؛ لأن الله جل وعلا بين في هذه الآية الكريمة أن القواعد أي العجائز اللاتي لا يرجون نكاحا، أي: لا يطعمن في النكاح لكبر السن وعدم حاجة الرجال إليهن يرخص لهن برفع الجناح عنهن في وضع ثيابهن، بشرط كونهن غير متبرجات بزينة، ثم إنه جل وعلا مع هذا كله قال: * (وأن يستعففن خير لهن) *، أي: يستعففن عن وضع الثياب خير لهن، أي: واستعفافهن عن وضع ثيابهن مع كبر سنهن وانقطاع طمعهن في التزويج، وكونهن غير متبرجات بزينة خير لهن.
وأظهر الأقوال في قوله: * (أن يضعن ثيابهن) *، أنه وضع ما يكون فوق الخمار، والقميص من الجلابيب، التي تكون فوق الخمار والثياب.
فقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: * (وأن يستعففن خير لهن) *، دليل واضح على أن المرأة التي فيها جمال ولها طمع في النكاح، لا يرخص لها في وضع شئ من ثيابها ولا الإخلال بشئ من التستر بحضرة الأجانب.
وإذا علمت بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام، وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرجال الأجانب، علمت أن القرءان دل على الحجاب، ولو فرضنا أن آية الحجاب خاصة بأزواجه صلى الله عليه وسلم، فلا شك أنهن خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطهارة التامة وعدم التدنس بأنجاس الريبة، فمن يحاول منع نساء المسلمين كالدعاة للسفور والتبرج والاختلاط اليوم، من الاقتداء بهن في هذا الأدب السماوي الكريم المتضمن سلامة العرض والطهارة من دنس الريبة غاش لأمة محمد صلى الله عليه وسلم مريض القلب؛ كما ترى.
واعلم أنه مع دلالة القرءان على احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب، قد دلت على ذلك أيضا أحاديث نبوية، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما وغيرهما من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء)، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت). أخرج البخاري هذا الحديث في كتاب (النكاح)، في باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم الخ. ومسلم في كتاب (السلام)، في باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، فهذا الحديث الصحيح صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحذير الشديد من الدخول على النساء، فهو دليل واضح على منع الدخول عليهن وسؤالهن متاعا إلا من وراء