أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٢٥٢
الرجال، وأن ستر المرأة وجهها عمل بالقرءان، كما قالته عائشة رضي الله عنها.
وإذا علمت أن هذا القدر من الأدلة على عموم الحجاب يكفي المنصف، فسنذكر لك أجوبة أهل العلم، عما استدل به الذين قالوا بجواز إبداء المرأة وجهها ويديها، بحضرة الأجانب.
فمن الأحاديث التي استدلوا بها على ذلك حديث خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: (يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت الحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا)، وأشار إلى وجهه وكفيه؛ وهذا الحديث يجاب عنه بأنه ضعيف من جهتين:
الأولى: هي كونه مرسلا؛ لأن خالد بن دريك لم يسمع من عائشة، كما قاله أبو داود، وأبو حاتم الرازي كما قدمناه في سورة (النور).
الجهة الثانية: أن في إسناده سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، قال فيه في (التقريب): ضعيف، مع أنه مردود بما ذكرنا من الأدلة على عموم الحجاب، ومع أنه لو قدر ثبوته قد يحمل على أنه كان قبل الأمر بالحجاب.
ومن الأحاديث التي استدلوا بها على ذلك حديث جابر الثابت في الصحيح، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان، ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: (تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: (لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير)، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطهن وخواتمهن، اه. هذا لفظ مسلم في (صحيحه)، قالوا: وقول جابر في هذا الحديث: سفعاء الخدين يدل على أنها كانت كاشفة عن وجهها، إذ لو كانت محتجبة لما رأى خديها، ولما علم بأنها سفعاء الخدين. وأجيب عن حديث جابر هذا: بأنه ليس فيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عن وجهها، وأقرها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصدا، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض الناس في تلك الحال، كما قال نابغة ذبيان
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»