أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٧٨
المدة الطويلة؛ لأنه لم ينف الولد الميت إلا بعد أن عاش عمرا يولد له فيه، وقد يكون معذورا بالغيبة زمنا طويلا، وكذلك عند من يقول: إن السكوت لا يسقط اللعان مطلقا كما تقدم، وكذلك إن أريد إلزامه بتكفين الولد الميت وتجهيزه، فالأظهر أن له أن ينفيه عنه بلعان ليتخلص من مئونة تجهيزه وتكفينه. والظاهر أنه إن نفى ولدا بعد موته، فإن كانت أمه حية فلا بد من اللعان؛ لأنه قاذف أمه، وإن كانت الأم ميتة جرى على الخلاف في حد من قذف ميتة، فعلى القول بالحد فله اللعان، وعلى القول بعدمه فلا لعان، وقد قدمنا الخلاف في ذلك. ويعتضد ما ذكرنا بما تقدم قريبا من أن له اللعان لنفي الولد؛ لأنه يجتمع به موجبان للعان، وهما إسقاط الحد ونفي الولد، وبه تعلم أن الأظهر عدم النظر إلى الولد الميت هل ترك مالا أو لا؟ والعلم عند الله تعالى.
تنبيه اعلم أن أهل العلم اختلفوا في توأمي الملاعنة المنفيين باللعان، هل يتوارثان توارث الشقيقين أو الأخوين لأم؟ وقال ابن الحاجب من المالكية: هما شقيقان، وقال خليل في (التوضيح)، وهو شرحه لمختصر ابن الحاجب في الفقه المالكي: إن كونهما شقيقين هو مشهور مذهب مالك. وقال المغيرة من المالكية: يتوارثان توارث الأخوين لأم، كالمشهور عند المالكية في توأمي الزانية والمغتصبة.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لنا أن توأمي الملاعنة يتوارثان توارث الأخوين لأم، وأنهما لا يحكم لهما بحكم الشقيقين، لأنهما لا يلحقان بأب معروف، وإذا لم يكن لهما أب معروف فلا وجه لكونهما شقيقين، ويوضح ذلك أنهما إنما ينسبان لأمهما، وبه تعلم أن مشهور مذهب مالك في هذه المسألة خلاف الأظهر. وأما قول ابن نافع من المالكية: إن توأمي الزانية شقيقان، فهو خلاف التحقيق؛ لأن الزاني لا يلحق به نسب حتى يكون أبا لابنه من الزنى، والرواية عن ابن القاسم بنحو قول ابن نافع ظاهرها السقوط، كما ترى. وأما ما قاله ابن رشد في (البيان) من أن توأمي المسبية، والمستأمنة شقيقان، فوجهه ظاهر، والعلم عند الله تعالى.
المسألة الخامسة عشرة: اعلم أنه إن تزوجها ثم قذفها بعد النكاح قائلا إنها زنت قبل أن يتزوجها، فإن أهل العلم اختلفوا هل له لعانها نظرا إلى أن القذف وقع وهي زوجته أو
(٤٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 ... » »»