أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٤٧
قوله تعالى: * (وهو الذى ذرأكم فى الا رض وإليه تحشرون) *. ذرأكم معناه: خلقكم، ومنه قوله تعالى: * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) * وقوله في الأرض: أي خلقكم وبثكم في الأرض، عن طريق التناسل، كما قال تعالى: * (وبث منهما رجالا كثيرا ونسآء) * وقال: * (ثم إذآ أنتم بشر تنتشرون) * وقوله: * (وإليه تحشرون) * أي إليه وحده، تجمعون يوم القيامة أحياء بعد البعث للجزاء والحساب.
وما تضمنته هذه الآية، من أنه خلقهم، وبثهم في الأرض. وأنه سيحشرهم إليه يوم القيامة. جاء معناه في آيات كثيرة كقوله في أول هذه السورة * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * إلى قوله: * (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * وذكر جل وعلا أيضا هاتين الآيتين في سورة الملك في قوله تعالى: * (قل هو الذى أنشأكم وجعل لكم السمع والا بصار والا فئدة قليلا ما تشكرون * قل هو الذى ذرأكم فى الا رض وإليه تحشرون * ويقولون متى هاذا الوعد إن كنتم صادقين) * والآيات في هذا المعنى كثيرة.
قوله تعالى: * (وهو الذى يحاى ويميت) *. قد قدمنا الآيات الدالة على الإماتتين والإحياءتين، وأن ذلك من أكبر الدواعي للإيمان به جل وعلا في سورة الحج في الكلام على قوله: * (وهو الذى أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) * وفي سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) *. فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
قوله تعالى: * (وله اختلاف اليل والنهار أفلا تعقلون) *. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن له اختلاف الليل والنهار، يعني: أن ذلك هو الفاعل له وهو الذي يذهب بالليل، ويأتي بالنهار، ثم يذهب بالنهار ويأتي بالليل، واختلاف الليل والنهار، من أعظم آياته الدالة على كما قدرته، ومن أعظم مننه على خلقه كما بين الأمرين في سورة القصص في قوله تعالى * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم اليل سرمدا إلى يوم القيامة من إلاه غير الله يأتيكم بضيآء أفلا تسمعون * قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إلاه غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) *. أي لتسكنوا في الليل وتطلبوا معايشكم بالنهار. والآيات الدالة على اختلاف الليل والنهار، من أعظم الآيات الدالة على عظمة الله، واستحقاقه للعبادة وحده كثيرة جدا كقوله تعالى: * (ومن ءاياته اليل والنهار) * وقوله: * (وءاية لهم اليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون) * وقوله * (يغشى اليل النهار) * وقوله * (ولا اليل سابق النهار) * وقوله تعالى: * (وسخر لكم اليل والنهار) *. وقوله تعالى: * (إن فى اختلاف اليل والنهار وما خلق الله فى السماوات والا رض لآيات لقوم يتقون) * والآيات بمثل هذا كثيرة جدا، وقوله تعالى: أفلا تعقلون: أي تذكرون بعقولكم أن الذي ينشئ السمع والأبصار والأفئدة، ويذرؤكم في الأرض وإليه تحشرون، وهو الذي يحيي ويميت ويخالف بين الليل والنهار أنه الإله الحق المعبود وحده جل وعلا، الذي لا يصح أن يسوى به غيره سبحانه وتعالى علوا كبيرا.
قوله تعالى: * (بل قالوا مثل ما قال الا ولون قالوا أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون) *. لفظة بل هنا للإضراب الانتقالي.
والمعنى: أن الكفار الذين كذبوا نبينا صلى الله عليه وسلم، قالوا مثل ما قالت الأمم قبلهم، من إنكار البعث، لأن الاستفهام في قوله: * (أءنا لمبعوثون) * إنكار منهم للبعث. والآيات الدالة على إنكارهم للبعث كثيرة كقوله تعالى عنهم: * (من يحى العظام وهى رميم) * وكقوله عنهم: * (وما نحن بمبعوثين) *
(٣٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»