أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣١٥
من الإعجاز تبين أنه ليس نصا في الرجوع إلى غيرها.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) * على ما قاله: جماعات من المفسرين، لأنه لولا فضل الله ورحمته لاتبعوا الشيطان، كلا بدون استثناء، قليل أو كثير كما ترى.
واختلفوا في مرجع هذا الاستثناء، فقيل: راجع لقوله: * (أذاعوا به) * وقيل: راجع لقوله * (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * وإذا لم يرجع للجملة التي تليه، لم يكن نصا في رجوعه لغيرها.
وقيل: إن هذا الاستثناء راجع للجملة التي تليه. وأن المعنى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم لاتبعتم الشيطان في الاستمرار، على ملة آبائكم من الكفر، وعبادة الأوثان إلا قليلا كمن كان على ملة إبراهيم في الجاهلية، كزيد بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل، وأمثالهم.
وذكر ابن كثير أن عبد الرزاق روى عن معمر عن قتادة في قوله: * (لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) * معناه: لاتبعتم الشيطان كلا، قال: والعرب تطلق العلة، وتريد بها العدم. واستدل قائل هذا القول بقول الطرماح بن حكيم يمدح يزيد بن المهلب: لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) * معناه: لاتبعتم الشيطان كلا، قال: والعرب تطلق العلة، وتريد بها العدم. واستدل قائل هذا القول بقول الطرماح بن حكيم يمدح يزيد بن المهلب:
* أشم ندى كثير النوادي * قليل المثالب والقادحه * يعني: لا مثلبة فيه، ولا قادحة. وهذا القول ليس بظاهر كل الظهور، وإن كانت العرب تطلق القلة في لغتها، وتريد بها العدم كقولهم: مررت بأرض قليل بها الكراث والبصل، يعنون لا كراث فيها ولا بصل. ومنه قول ذي الرمة: يعني: لا مثلبة فيه، ولا قادحة. وهذا القول ليس بظاهر كل الظهور، وإن كانت العرب تطلق القلة في لغتها، وتريد بها العدم كقولهم: مررت بأرض قليل بها الكراث والبصل، يعنون لا كراث فيها ولا بصل. ومنه قول ذي الرمة:
* أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة * قليل بها الأصوات إلا بغامها * يريد: أن تلك الفلاة لا صوت فيها غير بغام ناقته. وقول الآخر: يريد: أن تلك الفلاة لا صوت فيها غير بغام ناقته. وقول الآخر:
* فما بأس لو ردت علينا تحية * قليلا لدى من يعرف الحق عابها * يعني لا عاب فيها: أي لا عيب فيها عند من يعرف الحق، وأمثال هذا كثير في كلام العرب، وبالآيات التي ذكرنا تعلم: أن الوقف عن القطع برجوع الاستثناء لجميع الجمل المتعاطفة قبله إلا لدليل، هو الذي دل عليه القرآن في آيات متعددة، وبدلالتها يرد استدلال داود المذكور أيضا والعلم عند الله تعالى.
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»