أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٦١
عملت أيدينآ أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * * (ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) * وقوله في آية يس: هذه: * (منافع ومشارب) * كقوله في آية الحج: * (لعلكم تشكرون) * ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى قريبا: * (كذالك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم) *، وقد قدمنا معنى شكر العبد لربه وشكر الرب لعبده، مرارا بما أغنى عن إعادته هنا والتسخير التذليل.
قوله تعالى: * (إن الله يدافع عن الذين ءامنوا) *. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يدفع السوء عن عباده الذين آمنوا به إيمانا حقا، ويكفيهم شر أهل السوء، وقد أشار إلى هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) *. وقوله: * (أليس الله بكاف عبده) * وقوله تعالى: * (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم) * وقوله تعالى: * (إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا) *. وقوله: * (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) * وقوله: * (وإن جندنا لهم الغالبون) * إلى غير ذلك من الآيات، وقرأ هذا الحرف ابن كثير وأبو عمرو: * (إن الله يدافع عن الذين ءامنوا) * بفتح الياء والفاء بينهما دال ساكنة مضارع دفع المجرد، وعلى هذه القراءة، فالمفعول محذوف أي يدفع عن الذين آمنوا الشر والسوء، لأن الإيمان بالله هو أعظم أسباب دفع المكاره، وقرأ الباقون: يدافع بضم الياء، وفتح الدال بعدها ألف. وكسر الفاء مضارع دافع المزيد فيه ألف بين الفاء والعين على وزن فاعل. وفي قراءة الجمهور هذه إشكال معروف، وهو أن المفاعلة تقتضي بحسب الوضع العربي اشتراك فاعلين في المصدر. والله جل وعلا يدفع كل ما شاء من غير أن يكون له مدافع يدفع شيئا.
والجواب: هو ما عرف من أن المفاعلة قد ترد بمعنى المجرد، نحو: جاوزت المكان بمعنى جزته، وعاقبت اللص، وسافرت، وعافاك الله، ونحو ذلك، فإن فاعل في جميع ذلك بمعنى المجرد، وعليه فقوله: يدافع بمعنى: يدفع. كما دلت عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقال الزمخشري: ومن قرأ يدافع فمعناه: يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ اه منه، ولا يبعد عندي أن يكون
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»