أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٥٩
المذكورة هنا. وذلك في قوله تعالى: * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) *. وأمره في موضع آخر أن يبشر الصابرين على ما أصابهم مع بيان بعض ما بشروا به، وذلك في قوله تعالى: * (وبشر الصابرين الذين إذآ أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنآ إليه راجعون أولائك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولائك هم المهتدون) *.
واعلم: أن وجل القلوب عند ذكر الله أي خوفها من الله عند سماع ذكره لا ينافي ما ذكره جل وعلا، من أن المؤمنين تطمئن قلوبهم بذكر الله كما في قوله تعالى: * (الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * ووجه الجمع بين الثناء عليهم بالوجل الذي هو الخوف عند ذكره جل وعلا، مع الثناء عليهم بالطمأنينة بذكره، والخوف والطمأنينة متنافيان هو ما أوضحناه في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وهو أن الطمأنينة بذكر الله تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، وصدق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فطمأنينتهم بذلك قوية لأنها لم تتطرقها الشكوك، ولا الشبه والوجل عند ذكر الله تعالى يكون بسبب خوف الزيغ عن الهدى، وعدم تقبل الأعمال، كما قال تعالى عن الراسخين في العلم * (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) * وقال تعالى: * (والذين يؤتون مآ ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) * وقال تعالى: * (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) * ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
قوله تعالى: * (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) *. قد قدمنا أنه تعالى أمر بالأكل من بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم بأنواعها الثمانية، وأمر بإطعام البائس الفقير منها. وأمر بالأكل من البدن وإطعام القانع والمعتر منها، وما كان من الإبل، فهو من البدن بلا خلاف.
واختلفوا في البقرة، هل هي بدنة، وقد قدمنا الحديث الصحيح: أن البقرة من البدن، وقدمنا أيضا ما يدل على أنها غير بدنة، وأظهرهما أنها من البدن، وللعلماء في تفسير القانع والمعتر أقوال متعددة متقاربة أظهرها عندي: أن القانع هو الطامع الذي يسأل أن يعطى من اللحم ومنه قول الشماخ: واختلفوا في البقرة، هل هي بدنة، وقد قدمنا الحديث الصحيح: أن البقرة من البدن، وقدمنا أيضا ما يدل على أنها غير بدنة، وأظهرهما أنها من البدن، وللعلماء في تفسير القانع والمعتر أقوال متعددة متقاربة أظهرها عندي: أن القانع هو الطامع الذي يسأل أن يعطى من اللحم ومنه قول الشماخ:
* لمال المرء يصلحه فيغني * مفاقره أعف من القنوع *
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»