كعب بن مالك، عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث وفيه: وإني أنخلع من مالي كله صدقة. قال: (يجزئ عنك الثلث) وفي حديث أبي لبابة، عند أحمد وأبي داود مثله اه محل الغرض من فتح الباري.
وقد رأيت الروايات المصرحة بأنه يجزئه الثلث عن جميع المال. وظاهر الحديث أنه جازم غير مستشير فمن زعم من أهل العلم أنه مستشير فهو مخالف لظاهر اللفظ، لأن اللفظ مبدوء بجملة خبرية مؤكدة بحرف التوكيد، الذي هو إن المكسورة في قوله: إن من توبتي أن أنخلع من مالي، واللفظ الذي هذه صفته، لا يمكن حمله على التوقف والاستشارة، كما ترى فقوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك وأبي لبابة: إن الثلث يكفي عن الصدقة بجميع المال. هو الدليل الذي ذكرنا بسببه: أن أقرب الأقوال عندنا الاكتفاء بالثلث. وأما قول من قال: يلزمه التصدق بجميعه، فيستدل له بالحديث الصحيح: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وهو يدل على إيفائه بنذره، ولو أتى على كل المال، إلا أن دليل ما قبله أخص منه في محل النزاع والأخص مقدم على الأعم.
وأما قول سحنون: يلزمه التصدق بما لا يضر به فيستدل له بقوله تعالى: * (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) *، لأن العفو في أصح التفسيرين، هو ما لا يضر إنفاقه بالمنفق، ولا يجحف به لإمساكه ما يسد خلته الضرورية. وهذا قد يرجع إلى الأول لأن الثلث من العفو الذي لا يجحف به إنفاقه. فأظهرها الأول كما ذكرنا وباقي الأقوال لا أعلم له دليلا متجها من كتاب، ولا سنة، وما وجه به تلك الأقوال بعض أهل العلم لا يتجه عندي، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثامن: اعلم أنه قد دل النص الصحيح، على أن من نذر أن يسافر إلى مسجد ليصلي فيه كمسجد البصرة، أو الكوفة أو نحو ذلك: لا يلزمه السفر إلى مسجد من تلك المساجد، وليصل الصلاة التي نذرها به في موضعه الذي هو به. والنص الصحيح المذكور هو حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس). والجاري على الأصول: أنه لا يخرج من هذا الحصر الذي صرح به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح، إلا ما أخرجه نص صحيح يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة. والأظهر أن من نذر السفر لصلاة في مسجد إيلياء، وصلاها في مسجد مكة أو المدينة أجزأته، لأنهما أفضل منه.
وقد قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد أخبرنا حبيب المعلم، عن