أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٥١
يمين، وعن سحنون: يلزمه إخراج ما لا يضر به. وعن الثوري والأوزاعي، وجماعة: يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل.
وإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة:
فاعلم: أن أكثرها لا يعتضد بدليل، والذي يعتضد بالدليل منها ثلاثة مذاهب:
الأول: هو ما قدمنا أنه أظهرها عندنا، وهو الاكتفاء بالثلث.
والثاني: لزوم الصدقة بالمال كله.
والثالث: قول سحنون: أنه يلزمه إخراج ما لا يضر به. أما الاكتفاء بالثلث الذي هو أقربها عندنا، فقد يستدل له ببعض الأحاديث الصحيحة التي فيها النهي عن التصدق بالمال كله، وفيها أن الثلث كثير.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب إذا أهدى ماله على وجه النذر، والتوبة: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك يقول في حديثه: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * فقال في آخر حديثه: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) اه.
فظاهر هذا الحديث الصحيح: أن كعبا غير مستشير بل مريد التجرد من جميع ماله على وجه النذر والتوبة، كما في ترجمة الحديث. وقد أمره صلى الله عليه وسلم بأن يمسك بعض ماله، وصرح له بأن ذلك خير له. وقد جاء في بعض الروايات أنه فسر ذلك البعض الذي يمسكه بالثلثين، وأنه يتصدق بالثلث. وقال ابن حجر في شرح هذا الحديث قوله: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) زاد أبو داود عن أحمد بن صالح بهذا السند، فقلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر، وهو عند المصنف من وجه آخر عن ابن شهاب، ووقع في رواية ابن إسحاق عن الزهري بهذا السند، عند أبي داود: (إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله لله ورسوله صدقة قال: لا. قلت: فنصفه؟ قال: لا. قلت: فثلثه؟ قال: نعم. قلت: فإني سأمسك سهمي في خيبر).
واعلم أن ابن إسحاق في حديثه هذا عند أبي داود، صرح بالتحديث عن الزهري، فأمن تدليسه ثم قال ابن حجر: وأخرج من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»