أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٢٤
والدليل عندنا على أن الأظهر هو نسخهما: هو ثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب قال يحيى: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد قال عبد: أخبرنا. وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا فرع ولا عتيرة) زاد ابن رافع في روايته: والفرع: أول النتاج، كان ينتج لهم فيذبحونه اه من صحيح مسلم. وهذا الإسناد في غاية الصحة من طريقيه كما ترى. وفيه: تصريح النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه لا فرع. والعتيرة والفرع بالفاء والراء المفتوحتين بعدهما عين مهملة، جاء تفسيره، عن ابن رافع كما ذكره عنه مسلم فيما رأيت. وقال النووي: قال الشافعي، وأصحابه وآخرون: الفرع: هو أول نتاج البهيمة، كانوا يذبحونه، ولا يملكونه رجاء البركة في الأم، وكثرة نسلها، وهكذا فسره كثيرون من أهل اللغة وغيرهم، وقال كثيرون منهم: هو أول النتاج كانوا يذبحونه لآلهتهم: وهي طواغيتهم. وكذا جاء في هذا التفسير في صحيح البخاري، وسنن أبي داود وقيل: هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة يذبحونه. وقال شمر: قال أبو مالك: كان الرجل إذا بلغت إبله مائة قدم بكرا فنحره لصنمه، ويسمونه الفرع. اه محل الغرض منه.
وأما العتيرة بعين مهملة مفتوحة، ثم تاء مثناة من فوق فهي: ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب، ويسمونها الرجبية أيضا، وحديث مسلم هذا الذي ذكرنا صريح في نسخ الأمر بها، لأن قوله (لا فرع ولا عتيرة) نفي: أريد به النهي فيما يظهر كقوله: * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) * أي لا ترفثوا ولا تفسقوا، وعليه فيكون المعنى: لا تعملوا عمل الجاهلية في ذبح الفرع والعتيرة، ولو قدرنا أن الصيغة نافية، فالظاهر أن المعنى: لا فرع ولا عتيرة مطلوبان شرعا، ونسخهما هو الأظهر عندنا للحديث الصحيح كما رأيت. ومن زعم بقاء مشروعيتهما، واستحبابهما فقد استدل ببعض الأحاديث، على ذلك، وسنذكر حاصلها بواسط نقل النووي لأنه جمعها في محل واحد، فقال منها: حديث نبيشة رضي الله عنه قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فقال: (اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا لله وأطعموا) قال: إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية، فما تأمرنا؟ فقال: (في كل
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»