مساوية لمسافة بلده، وبعضهم يكفي عنده سفر مسافة القصر، وبعضهم يقول: يكفيه أن يرجع لإحرام الحج إلى ميقاته، وقد قدمنا أقوالهم مفصلة، ودليلهم في ذلك ما فهموه من قوله تعالى * (ذالك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام) * قالوا: لا فرق بين حاضري المسجد الحرام، وبين غيرهم، إلا أن غيرهم ترفهوا بإسقاط أحد السفرين الذي هو السفر للحج، بعد السفر للعمرة، وإن سافر للحج بعد العمرة زال السبب، فسقط الدم بزواله، وعضدوا ذلك بآثار رووها، عن عمر وابنه رضي الله عنهما، وقد قدمنا قولي العلماء في الشيء الذي ترجع إليه الإشارة في قوله: * (ذالك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام) * وناقشنا أدلتهما، وبينا أنه على القول الذي يراه البخاري رحمه الله، ومن وافقه: أن الإشارة راجعة إلى نفس التمتع وأن أهل مكة لا متعة لهم أصلا، فلا دليل في الآية على أقوال الأئمة التي ذكرنا، وعلى القول الآخر أن الإشارة راجعة إلى حكم التمتع وهو لزوم ما استيسر من الهدي، والصوم عند العجز عنه لا نفس التمتع فاستدلال الأئمة بها على الأقوال المذكورة له وجه من النظر كما ترى.
والحاصل: أن استدلالهم بها إنما يصح على أحد التفسيرين في مرجع الإشارة في الآية، وقد قدمنا الكلام على ذلك مستوفى.
والأحوط عندي: إراقة دم التمتع، ولو سافر لعدم صراحة دلالة الآية، في إسقاطه، وللاحتمال الآخر الذي تمسك به البخاري والحنفية كما تقدم إيضاحه. وممن قال بذلك الحسن واختاره ابن المنذر لعموم الآية قاله في المغني. والعلم عند الله تعالى.
الشرط الرابع: أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام، فأما إذا كان من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه لقوله تعالى: * (ذالك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام) *.
وأظهر الأقوال أهل العلم عندي في المراد بحاضري المسجد الحرام: أنهم أهل الحرم ومن بينه وبينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة، لأن المسجد الحرام، قد يطلق كثيرا ويراد به الحرم كله، ومن على مسافة دون مسافة القصر، فهو كالحاضر، ولذا تسمى صلاته إن سافر من الحرم، إلى تلك المسافة صلاة حاضر، فلا يقصرها لا صلاة مسافر، حتى يشرع له قصرها فظهر دخوله في اسم حاضري المسجد الحرام، بناء على أن المراد به جميع الحرم، وهو الأظهر خلافا لمن خصه بمكة، ومن خصه بالحرم، ومن عممه في كل ما دون الميقات،