أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ١٢٣
أحدهما: يجب عليه الدم نظرا إلى أفعال العمرة الواقعة في أشهر الحج.
والثاني: لا يجب عليه دم نظرا إلى وقوع الإحرام، قبل أشهر الحج، وهو نسك لا تتم العمرة بدونه، ولكليهما وجه من النظر، ولا نص فيهما، وممن قال بأنه لا دم عليه، وأنه غير متمتع: الإمام أحمد.
قال في المغني: ونقل معنى ذلك، عن جابر، وأبي عياض، وهو قول إسحاق، وأحد قولي الشافعي، وقال طاوس عمرته: في الشهر الذي يدخل فيه الحرم. وقال الحسن، والحكم، وابن شبرمة، والثوري، والشافعي في أحد قوليه: عمرته في الشهر الذي يطوف فيه. وقال عطاء: عمرته في الشهر الذي يحل فيه، وهو قول مالك. وقال أبو حنيفة: إن طاف للعمرة أربعة أشواط، قبل أشهر الحج فليس بمتمتع، وإن طاف الأربعة في أشهر الحج، فهو متمتع. لأن العمرة صحت في أشهر الحج، بدليل أنه لو وطئ أفسدها، فأشبه إذا أحرم بها في أشهر الحج. قاله في المغني والله تعالى أعلم.
الشرط الثاني: أن يحج في نفس تلك السنة، التي اعتمر في أشهر الحج منها. أما إذا كان حجه في سنة أخرى: فلا دم عليه.
قال صاحب المهذب: وذلك لما روى سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك، لم يهدوا، قال: ولأن الدم إنما يجب لترك الإحرام بالحج من الميقات وهذا لم يترك الإحرام بالحج من الميقات، فإنه إن أقام بمكة صارت مكة ميقاته، وإن رجع إلى بلده، وعاد فقد أحرم من الميقات. وقال النووي في الأثر المذكور: المروي عن ابن المسيب حسن رواه البيهقي بإسناد حسن، ولا يخفى سقوط قول الحسن: إنه متمتع وإن لم يحج من عامه.
الشرط الثالث: أن لا يعود إلى بلده، أو ما يماثله في المسافة. وقال بعضهم: يكفي في هذا الشرط، أن يرجع إلى ميقاته فيحرم بالحج منه، وبعضهم يكتفي بمسافة القصر بعد العمرة، ثم يحرم للحج من مسافة القصر.
والحاصل: أن الأئمة الأربعة متفقون على أن السفر بعد العمرة، والإحرام بالحج من منتهى ذلك السفر مسقط لدم التمتع، إلا أنهم مختلفون في قدر المسافة، فمنهم من يقول: لا بد أن يرجع بعد العمرة في أشهر الحج، إلى المحل الذي جاء منه، ثم ينشئ سفرا للحج ويحرم من الميقات. وبعضهم يقول: يكفيه أن يرجع إلى بلده أو يسافر مسافة
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»