هذا هو حاصل مذهب أبي حنيفة، في المسألة.
وأما مذهب أحمد في هذه المسألة فهو: أنه إن فعل محظورات متعددة من جنس واحد، كما لو حلق مرة بعد مرة، أو لبس مرة بعد مرة، أو تطيب مرة بعد مرة: فعليه فدية واحدة، ولا تتعدد الفدية بتعدد الأسباب، التي هي من نوع واحد، سواء كانت في مجلس واحد، أو مجالس متفرقة، ومحل هذا ما لم يكفر عن الفعل الأول، قبل الفعل الثاني. فلو تطيب مثلا، ثم افتدى ثم تطيب بعد الفدية لزمته فدية أخرى، لتطيبه بعد أن افتدى.
وعن أحمد: أنه إن كرر ذلك لأسباب مختلفة، مثل أن لبس للبرد، ثم لبس للحر، ثم لبس للمرض فكفارات، وإن كان لسبب واحد فكفارة واحدة وقد روى عنه الأثرم فيمن لبس قميصا وجبة وعمامة وغير ذلك لعلة واحد.
قلت له: فإن اعتل فلبس جبة، ثم برأ ثم اعتل فلبس جبة، قال: هذا الآن عليه كفارتان قاله في المغني، ثم قال: وعن الشافعي كقولنا، وعنه لا يتداخل. وقال مالك: تتداخل كفارة الوطء دون غيره، وقال أبو حنيفة: إن كرره في مجلس واحد فكفارة واحدة، وإن كان في مجلس فكفارات، لأن حكم المجلس الواحد حكم الفعل الواحد، بخلاف غيره، ولنا أنما يتداخل إذا كان بعضه عقب بعض، يجب أن يتداخل، وإن تفرق كالحدود وكفارة الأيمان، ولأن الله تعالى أوجب في حلق الرأس: فدية واحدة، ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعات، والقول بأنه لا يتداخل غير صحيح، فإنه إذا حلق رأسه لا يمكن إلا شيئا بعد شيء. انتهى من المغني.
وأما إن كانت المحظورات من أجناس مختلفة، كأن حلق، ولبس، وتطيب، ووطىء فعليه لكل واحد منها فدية، سواء فعل ذلك مجتمعا أو متفرقا. قال في المغني:
وهذا مذهب الشافعي.
وعن أحمد: أن في الطيب واللبس والحلق فدية واحدة، وإن فعل ذلك واحدا بعد واحد، فعليه لكل واحد دم، وهو قول إسحاق.
وقال عطاء وعمرو بن دينار: إذا حلق ثم احتاج إلى الطيب أو إلى قلنسوة أو إليهما، ففعل ذلك، فليس عليه إلا فدية.
وقال الحسن: إن لبس القميص، وتعمم، وتطيب فعل ذلك جميعا: فليس عليه إلا كفارة واحدة، ونحو ذلك عن مالك.