أحدهما: أن إطلاق القضاء على ما فات وقته بالكلية اصطلاح حادث للفقهاء، لأن القضاء في الكتاب والسنة يطلق على فعل العبادة في وقتها، كقوله تعالى: * (فإذا قضيتم الصلواة) *، وقوله: * (فإذا قضيت الصلواة) *، وقوله تعالى: * (فإذا قضيتم مناسككم) *. فالقضاء في هذه الآيات بمعنى الأداء.
الوجه الثاني: أنا لو فرضنا أن مالكا رحمه الله، يريد بالقضاء في كلامه المذكور المعنى الاصطلاحي عند الفقهاء، وهو أن القضاء فعل العبادة بعد خروج وقتها المعين لها تداركا لشيء علم تقدم ما أوجب فعله في خصوص وقته، كما هو المعروف في مذهبه. إنه إن أخر الرمي إلى الليل فما بعده، أنه قضاء. يلزم به الدم، فإنا لا نسلم أن رمي يوم في اليوم الذي بعده قضاء لعبادة، خرج وقتها بالكلية استنادا لأمرين:
الأول: أن رمي الجمار عبادة موقتة بالإجماع، فإذن النبي صلى الله عليه وسلم في فعلها في وقت، دليل واضح على أن ذلك الوقت من أجزاء وقت تلك العبادة الموقتة، لأنه ليس من المعقول أن تكون هذه العبادة موقتة بوقت معين ينتهي بالإجماع في وقت معروف، ويأذن النبي صلى الله عليه وسلم في فعلها في زمن ليس من أجزاء وقتها المعين لها. فهذا لا يصح بحال، وإذا تقرر أن الوقت الذي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعل العبادة الموقتة فيه أنه من وقتها، علم أنها أداء لا قضاء، والأداء في اصطلاح أهل الأصول هو إيقاع العبادة في وقتها المعين لها شرعا، لمصلحة اشتمل عليها ذلك الوقت. الأمر الثاني: أنه لا يمكن أن يقال هنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالرمي في وقت غير وقته، بل بعد فوات وقته، وأن أمره به في ذلك الوقت أمر بقضائه بعد فوات وقته المعين له، لما قدمنا من إجماع المسلمين على أنه لا يجوز الرمي في رابع يوم النحر، ولو كان يجوز قضاء الرمي بعد فوات وقته، لجاز الرمي في رابع النحر وخامسه، وما بعد ذلك. والقضاء في اصطلاح الفقهاء والأصوليين: لا يطلق إلا على ما فات وقته بالكلية، والصلاة في آخر الوقت الضروري أداء عندهم، حتى إنه لو صلى بعضها في آخر الضروري، وبعضها بعد خروج الوقت الضروري، فهي أداء عندهم على الصحيح. ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وعرف في مراقي السعود الأداء والوقت والقضاء عند الأصوليين بقوله: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وعرف في مراقي السعود الأداء والوقت والقضاء عند الأصوليين بقوله:
* فعل العبادة بوقت عينا * شرعا لها باسم الأداء قرنا)