حدثنا يزيد، هو ابن زريع قال: حدثنا خالد عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أيام منى فيقول (لا حرج) فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح قال: (لا حرج) فقال رجل: رميت بعد ما أمسيت قال: (لا حرج) انتهى منه، وهذا الحديث صحيح الإسناد كما ترى، لأن طبقته الأولى، محمد بن عبد الله بن بزيع، وهو ثقة معروف، وهو من رجال مسلم في صحيحه، وبقية إسناده هي بعينها إسناد البخاري الذي ذكرناه آنفا، وقوله في هذا الحديث الصحيح: أيام منى بصيغة الجمع صادق بأكثر من يوم واحد، فهو صادق بحسب وضع اللغة ببعض أيام التشريق، والسؤال عن الرمي بعد المساء فيها لا ينصرف إلا إلى الليل كما بينا.
فإن قيل: صيغة الجمع في رواية النسائي تخصص بيوم النحر الوارد في رواية البخاري فيحمل ذلك الجمع على المفرد نظرا لتخصيصه به، ويؤيد ذلك: أن في رواية أبي داود وابن ماجة لحديث ابن عباس المذكور، يوم منى بالإفراد.
فالجواب: أن المقرر في الأصول أن ذكر بعض أفراد العام، بحكم العام لا يخصصه على مذهب الجمهور، خلافا لأبي ثور. سواء كان العام، وبعض أفراده المذكور بحكمه في نص واحد أو نصين.
فمثال كونهما في نص واحد قوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات والصلواة الوسطى) * فلا يخصص عموم الأمر بالمحافظة على جميع الصلوات بالصلاة الوسطى بل المحافظة على جميعها واجبة.
ومثال كونهما في نصين: حديث ابن عباس العام في جلود الميتة (أيما إهاب دبغ فقد طهر) مع حديثه الآخر أنه تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به) الحديث، فذكر جلد الشاة في هذا الحديث الأخير لا يخصص عموم الجلود المذكورة (أيما إهاب دبغ) الحديث، فجواز الانتفاع عام في جلد الشاة، وفي غيرها من الأهب إلا ما أخرجه دليل خاص، لأن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه، وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما لا يخصص به العموم. فقال (هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به) الحديث، فذكر جلد الشاة في هذا الحديث الأخير لا يخصص عموم الجلود المذكورة (أيما إهاب دبغ) الحديث، فجواز الانتفاع عام في جلد الشاة، وفي غيرها من الأهب إلا ما أخرجه دليل خاص، لأن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه، وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما لا يخصص به العموم.
* وذكر ما وافقه من مفرد * ومذهب الراوي على المعتمد * وللمخالفين القائلين: لا يجوز الرمي ليلا أن يردوا هذا الاستدلال فيقولوا رواية