أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣٤٦
وفي صحيح مسلم أيضا من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما. قالت: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج. الحديث.
قالوا: فهذه الأحاديث الصحاح دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم مفردا، ورواتها من أضبط الصحابة وأتقنهم، قالوا: فمنهم: جابر الذي عرف ضبطه وحفظه وخصوصا ضبطه لحجته صلى الله عليه وسلم. ومنهم: ابن عمر الذي رد على أنس، وذكر أن لعاب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسه. ومنهم: عائشة رضي الله عنها وحفظها وضبطها واطلاعها على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك معروف. ومنهم: ابن عباس رضي الله عنهما. ومكانته في العلم والحفظ معروفة.
الأمر الثاني من الأمور التي احتج بها القائلون: بأفضلية الإفراد على التمتع، والقران: هو إجماع أهل العلم، على أن المفرد إذا لم يفعل شيئا من محظورات الإحرام، ولم يخل بشيء من النسك، أنه لا دم عليه، وانتفاء الدم عنه مع لزومه في التمتع والقران: يدل على أنه أفضل منهما، لأن الكامل بنفسه الذي لا يحتاج إلى الجبر بالدم أفضل من المحتاج إلى الجبر بالدم.
وأجاب المخالفون عن هذا: بأن دم التمتع والقران، ليس دم جبر لنقص فيهما. وإنما هو دم نسك محض ألزم في ذلك النسك. واحتجوا على أنه دم نسك. بجواز أكل القارن، والمتمتع من دم قرانه، وتمتعه. قالوا: لو كان جبرا لما جاز الأكل منه كالكفارات، وبأن الجبر في فعل ما لا يجوز والتمتع والقران جائزان، فلا جبر في مباح.
ورد هذا من يخالف في ذلك قائلا: إنه دم جبر لا دم نسك، بدليل أن الصوم يقوم مقامه عند العجز عنه. قالوا: والنسك المحض كالأضاحي والهدايا لا يكون الصوم بدلا منه عند العجز عنه، فلا يكون الصوم بدلا من دم، إلا إذا كان دم جبر. قالوا: ولا مانع من الأمر بعبادة مع ما يجبرها ويكملها، ولا مانع من أن يرد دليل خاص على جواز الأكل من بعض دماء الجبر.
قالوا: والدليل على وقوع الجبر في المباح: لزوم فدية الأذى المنصوص في آية * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) *: ولا شك أنه جبر في فعل مباح. وكذلك من لبس لمرض أو حر، أو برد شديدين، أو أكل صيدا للضرورة المبيحة للميتة، أو احتاج للتداوي بطيب.
قالوا: ومن الأدلة على أنه دم جبر لا نسك سقوطه عن أهل مكة المنصوص عليه في
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»