أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٨
الألفاظ، لا بخصوص الأسباب، وبينا أدلة ذلك من السنة الصحيحة، فقد صرح تعالى في هذه الآية الكريمة، برفع الحرج عن الذين لا يجدون ما ينفقون. ولا شك أن الذي يتكفف الناس لشدة فقره، داخل في عموم الذين لا يجدون ما ينفقون. وقد صرح تعالى بنفي الحرج عنهم، فيلزم من ذلك نفي الحرج عنه في وجوب الحج، وهو واضح. وقد استدل الشيخ ابن القاسم رحمه الله بهذه الآية المذكورة على ما ذكرنا.
ولكن كثيرا من متأخري علماء المالكية حملوا قول ابن القاسم الذي احتج عليه بالآية المذكورة، على من ليس عادته السؤال في بلده، قالوا: فلم يتناول قوله محل النزاع.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ظاهر الآية الكريمة العموم في جميع الذين لا يجدون ما ينفقون، فتخصيصها بمن ليس عادته السؤال، بدون دليل من كتاب، أو سنة لا يصح ولا يعول عليه. وقد تقرر في الأصول أنه لا يمكن تخصيص العام إلا بدليل يجب الرجوع إليه. سواء كان من المخصصات المتصلة، أو المنفصلة.
ومما يؤيد هذا في الجملة ما ثبت في صحيح البخاري. حدثنا يحيى بن بشر، حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون، ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا المدينة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * ورواه ابن عيينة، عن عكرمة مرسلا. انتهى من صحيح البخاري.
وقال ابن حجر في الفتح في الكلام على هذا الحديث: قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه: أن ترك السؤال من التقوى، ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافا، فإن قوله * (فإن خير الزاد التقوى) * أي تزودوا، واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك. انتهى محل الغرض منه.
وفيه دليل ظاهر: على حرمة خروج الإنسان حاجا، بلا زاد، ليسأل الناس وظاهرها العموم في كل حاج يسأل الناس فقيرا كان، أو غنيا كانت عادته السؤال في بلده أو لا، وحمل النصوص على ظواهرها واجب إلا بدليل يجب الرجوع إليه، ومما يؤيد هذا أن الذين مدحهم الله في كتابه، بتركهم سؤال الناس، كانوا من أفقر الفقراء كما هو معلوم، وقد صرح تعالى بأنهم فقراء وأشار لشدة فقرهم، وذلك في قوله تعالى * (للفقرآء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الا رض يحسبهم الجاهل أغنيآء من التعفف
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»