أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٢
قال العبدري: وبه قال أكثر الفقهاء، وقال داود: ماشيا أفضل، واحتج بحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية صحيحة (على قدر عنائك ونصبك) وروى البيهقي بإسناده، عن ابن عباس قال: ما آسى على شيء ما آسى أني لم أحج ماشيا، وعن عبيد بن عمير قال ابن عباس: ما ندمت على شيء فاتني في شبابي، إلا أني لم أحج ماشيا، ولقد حج الحسن بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا. وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات، حتى كان يعطي الخف، ويمسك النعل. انتهى محل الغرض منه، والحديث المرفوع عن ابن عباس في فضل الحج ماشيا: ضعيف، وحديث عائشة المتفق عليه الذي أشار إليه النووي يقوي حجة من قال: بأن المشي في الحج أفضل من الركوب، لأنه أكثر نصبا وعناء. ولفظ البخاري (ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك) ولفظ مسلم (ولكنها على قدر نصبك) أو قال (نفقتك) والنصب: التعب، والمشقة.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى: قد دل الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين: على وجوب الحج مرة واحدة في العمر، وهو إحدى الدعائم الخمس، التي بني عليها الإسلام إجماعا.
أما دليل وجوبه من كتاب الله: فقوله تعالى * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين) *.
وأما السنة فالأحاديث في ذلك كثيرة، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ قال (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) انتهى منه.
ومحل الشاهد من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)، ونحوه أخرجه الإمام أحمد والنسائي، واستدل بهذا الحديث على أن الأمر المجرد من القرائن، لا يقتضي التكرار كما هو مقرر في الأصول.
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»