واختلطت بالتراب، لأن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من ابتداء الفعل، وهذا البرهان القاطع على القدرة على البعث: الذي هو خلقه تعالى للخلائق المرة الأولى المذكور هنا، جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله * (وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) * وقوله * (قل يحييها الذى أنشأهآ أول مرة وهو بكل خلق عليم) * وقوله تعالى * (كما بدأنآ أول خلق نعيده وعدا علينآ إنا كنا فاعلين) * وقوله * (فسيقولون من يعيدنا قل الذى فطركم أول مرة) * وقوله تعالى * (أفعيينا بالخلق الا ول بل هم فى لبس من خلق جديد) * وقوله تعالى * (ولقد علمتم النشأة الا ولى فلولا تذكرون) * وقوله * (ألم يك نطفة من منى يمنى) * إلى قوله * (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) * والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا، وقد أوضحنا ذلك في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك في سورة البقرة، وسورة النحل، وغيرهما، ولأجل قوة دلالة هذا البرهان المذكور على البعث بين جل وعلا أن من أنكر البعث فهو ناس للإيجاد الأول كقوله * (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه) *، إذ لو تذكر الإيجاد الأول، على الحقيقة، لما أمكنه إنكار الإيجاد الثاني، وكقوله * (ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا * أولا يذكر إلإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) * إذ لو تذكر ذلك تذكرا حقيقيا لما أنكر الخلق الثاني، وقوله في هذه الآية الكريمة * (إن كنتم فى ريب من البعث) * أي في شك من أن الله يبعث الأموات، فالريب في القرآن يراد به الشك، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة * (فإنا خلقناكم من تراب) * قد قدمنا في سورة طه: أن التحقيق في معنى خلقه للناس من تراب، أنه خلق أباهم آدم منها، ثم خلق منه زوجه، ثم خلقهم منهما عن طريق التناسل، كما قال تعالى * (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب) *، فلما كان أصلهم الأول من تراب، أطلق عليهم أنه خلقهم من تراب. لأن الفروع تبع للأصل.
وقد بينا في طه أيضا أن قول من زعم أن معنى خلقه إياهم من تراب: أنه خلقهم من النطف، والنطف من الأغذية، والأغذية راجعة إلى التراب غير صحيح، وقد بينا هناك الآيات الدالة على بطلان هذا القول.
وقد ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أطوار خلق الإنسان، فبين أن ابتداء خلقه من