الآخر أغبش. وقال الآخر أبيض، فأمر عند ذلك بقتلهم، فحكى ذلك لداود عليه السلام، فاستدعى من فوره بأولئك الأربعة فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب فاختلفوا عليه، فأمر بقتلهم انتهى بواسطة نقل ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة. وكل هذا مما يدل على صحة ما فسرنا به الآية، لدلالة القرينة القرآنية عليه. وممن يسرها بذلك الحسن البصري رحمه الله كما ذكره البخاري وغيره عنه. قال البخاري رحمه الله في صحيحه (باب متى يستوجب الرجل القضاء): وقال الحسن: أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس، ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا إلى أن قال وقرأ * (وداوود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا ءاتينا حكما وعلما) * فحمد سليمان ولم يلم داود. ولولا ما ذكره الله من أمر هذين لرأيت أن القضاة ملكوا، فإنه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده انتهى محل الغرض منه. وبه تعلم أن الحسن رحمه الله يرى أن معنى الآية الكريمة كما ذكرنا، ويزيد هذا إيضاحا ما قدمناه في سورة (بني إسرائيل) من الحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة رضي الله عنهما (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) كما قدمنا إيضاحه.
المسألة الثانية اعلم أن الاجتهاد في الأحكام في الشرع دلت عليه أدلة من الكتاب والسنة؟ منها هذا الذي ذكرنا هنا. وقد قدمنا في سورة بني (إسرائيل) طرفا من ذلك، ووعدنا بذكره مستوفى في هذه السورة الكريمة، وسورة (الحشر)، وهذا أوان الوفاء بذلك الوعد في هذه السورة الكريمة. وقد علمت مما مر في سورة (بني إسرائيل) أنا ذكرنا طرفا من الأدلة على الاجتهاد فبينا إجماع العلماء على العمل بنوع الاجتهاد المعروف بالإلحاق بنفي الفارق الذي يسميه الشافعي القياس في معنى الأصل، وهو تنقيح المناط. وأوضحنا أنه لا ينكره إلا مكابر، وبينا الإجماع أيضا على العمل بنوع الاجتهاد المعروف بتحقيق المناط، وأنه لا ينكره إلا مكابر، وذكرنا أمثلة له في الكتاب والسنة، وذكرنا أحاديث دالة على الاجتهاد، منها الحديث المتفق عليه المتقدم ومنها حديث معاذ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمين، وقد وعدنا بأن نذكر طرقه هنا إلى آخر ما ذكرنا هناك.