أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٤٣
لفرط احتياجه إليه، وقلة صبره عنه. كقوله: * (خلق الإنسان من عجل) * إلى غير ذلك من الأقوال. وقد قدمنا المعاني الأربعة التي تأتي لها لفظة (جعل) وما جاء منها في القرآن وما لم يجئ فيه في سورة (النحل).
وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه: لقائل أن يقول: كيف قال وخلقنا من الماء كل حيوان؟ وقد قال * (والجآن خلقناه من قبل من نار السموم) * وجاء في الأخبار: أن الله تعالى خلق الملائكة من النور، وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام: * (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى) *، وقال في حق آدم * (خلقه من تراب) *.
والجواب: اللفظ وإن كان عاما إلا أن القرينة المخصصة قائمة، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهدا محسوسا ليكون أقرب إلى المقصود. وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى وعليهم السلام، لأن الكفار لم يروا شيئا من ذلك ا ه منه.
ثم قال الرازي أيضا: اختلف المفسرون، فقال بعضهم: المراد من قوله * (كل شىء حى) * الحيوان فقط. وقال آخرون: بل يدخل فيه النبات والشجر، لأنه من الماء صار ناميا، وصار فيه الرطوبة والخضرة، والنور والثمر. وهذا القول أليق بالمعنى المقصود، كأنه تعالى قال: ففتقنا السماء لإنزال المطر، وجعلنا منه كل شيء في الأرض من النبات وغيره حيا. حجة القول الأول: أن النبات لا يسمى حيا. قلنا: لا نسلم، والدليل عليه قوله تعالى * (كيف يحى الا رض بعد موتهآ) * انتهى منه أيضا. قوله تعالى: * (وجعلنا فى الا رض رواسى أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون) *. قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في سورة (النحل) فأغنى ذلك عن إعادته هنا. قوله تعالى: * (وجعلنا السمآء سقفا محفوظا وهم عن ءاياتها معرضون) *. تضمنت هذه الآية الكريمة ثلاث مسائل:
الأولى أن الله جل وعلا جعل السماء سقفا، أي لأنها للأرض كالسقف للبيت.
الثانية أنه جعل ذلك السقف محفوظا.
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»