أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤٤٦
وجاء حديث مرفوع بمقتضى هذا القول من حديث أبي أمامة وابن عباس فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن غيا واد في جنهم) كما في حديث ابن عباس. وفي حديث أبي أمامة: أن غيا، وأثاما: نهران في أسفل جهنم، يسيل فيهما صديد أهل النار. والظاهر أنه لم يصح في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية حديث أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي الذي أشرنا له آنفا، ثم قال: هذا حديث غريب ورفعه منكر. وقيل: إن المعنى فسوف يلقون غيا أي ضلالا في الآخرة عن طريق الجنة، ذكره الزمخشري. وفيه أقوال أخر، ومدار جميع الأقوال في ذلك على شيء واحد، وهو: أن أولئك الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات سوف يلقون يوم القيامة عذابا عظيما.
فإذا عرفت كلام العلماء في هذه الآية الكريمة، وأن الله تعالى توعد فيها من أضاع الصلاة واتبع الشهوات بالغي الذي هو الشر العظيم والعذاب الأليم. فاعلم أنه أشار إلى هذا المعنى في مواضع أخر كقوله في ذم الذين يضيعون الصلاة ولا يحافظون عليها وتهديدهم: * (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يرآءون ويمنعون الماعون) *، وقوله في ذم المنافقين: * (وإذا قاموا إلى الصلواة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) *، وقوله فيهم أيضا: * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلواة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) *. وأشار في مواضع كثيرة إلى ذم الذين يتبعون الشهوات وتهديدهم، كقوله تعالى: * (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الا نعام والنار مثوى لهم) *، وقوله تعالى: * (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الا مل فسوف يعلمون) *، وقوله تعالى: * (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ويل يومئذ للمكذبين) * إلى غير ذلك من الآيات. ويفهم من مفهوم مخالفة الآية الكريمة: أن الخلف الطيبين لا يضيعون الصلاة، ولا يتبعون الشهوات، وقد أشار تعالى إلى هذا في مواضع من كتابه. كقوله تعالى: * (قد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون إلى قوله * (والذين هم على صلواتهم يحافظون أولائك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) *، إلى غير ذلك من الآيات. وكقوله: * (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»