وأما شركة الوجوه فأصلها من الوجاهة. لأن الوجيه تتبع ذمته بالدين، وإذا باع شيئا باعه بأكثر مما يبيع به الخامل.
وأما شركة الأبدان فأصلها اللغوي واضح، لأنهما يشتركان بعمل أبدانهما، ولذا تسمى شركة العمل، إذ ليس الاشتراك فيها بالمال، وإنما هو بعمل البدن.
وأما شركة المضاربة وهي القراض فأصلها من الضرب في الأرض، لأن التاجر يسافر في طلب الربح. والسفر يكنى عنه بالضرب في الأرض، كما في قوله تعالى: * (يضربون فى الا رض يبتغون من فضل الله وءاخرون) *، وقوله: * (وإذا ضربتم فى الا رض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلواة) *.
فإذا عرفت معاني أنواع الشركة في اللغة، فسنذكر لك إن شاء الله تعالى هنا معانيها المرادة بها في الاصطلاح عند الأئمة الأربعة وأصحابهم، وأحكامها، لأنهم مختلفون في المراد بها اصطلاحا، وفي بعض أحكامها.
أما مذهب مالك في أنواع الشركة وأحكامها فهذا تفصيله:
اعلم أن شركة المفاوضة جائزة عند مالك وأصحابه. والمراد بشركة المفاوضة عندهم هو أن يطلق كل واحد منهما التصرف لصاحبه في المال الذي اشتركا فيه غيبة وحضورا، وبيعا وشراء، وضمانا وتوكيلا. وكفالة وقراضا. فما فعل أحدهما من ذلك لزم صاحبه إذا كان عائدا على شركتهما.
ولا يكونان شريكين إلا فيما يعقدان عليه الشركة من أموالهما، دون ما ينفرد به كل واحد منهما من ماله. وسواء اشتركا في كل ما يملكانه أو في بعض أموالهما، وتكون يد كل منهما كيد صاحبه، وتصرفه كتصرفه ما لم يتبرع بشيء ليس في مصلحة الشركة.
وسواء كانت المفاوضة بينهما في جميع أنواع المتاجر أو في نوع واحد منها، كرقيق يتفاوضان في التجارة فيه فقط، ولكل واحد منهما أن يبيع بالدين ويشتري فيه ويلزم ذلك صاحبه وهذا هو الصواب. خلافا لخليل في مختصره في الشراء بالدين.
وقد أشار خليل في مختصره إلى جواز شركة المفاوضة في مذهب مالك مع تعريفها، وما يستلزمه عقدها من الأحكام بالنسبة إلى الشريكين بقوله: ثم إن أطلقا التصرف وإن بنوع فمفاوضة، ولا يفسدها انفراد أحدهما بشيء وله أن يتبرع إن استألف به أوخف كإعارة آلة ودفع كسرة ويبضع ويقارد ويودع لعذر وإلا ضمن، ويشارك في معين ويقيل ويولى ويقبل