أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ١٤٢
مالك أيضا. إلا أن المالكية يقولون: إن طال حبسهم ولم يحلفوا تركوا، وعلى كل واحد منهم جلد مائة وحبس سنة. ولا أعلم لهذا دليلا. وأظهر الأقوال عندي: أنهم تلزمهم الدية بنكولهم عن الأيمان، ورواه حرب بن إسماعيل عن أحمد، وهو اختيار أبي بكر. لأنه حكم ثبت بالنكول فثبت في حقهم ها هنا كسائر الدعاوى. قال في المغني: وهذا القول هو الصحيح، والله تعالى أعلم.
الفرع الخامس اختلف العلماء في أقل العدد الذي يصح أن يحلف أيمان القسامة. فذهب مالك وأصحابه إلى أنه لا يصح أن يحلف أيمان القسامة في العمد أقل من رجلين من العصبة. فلو كان للمقتول ابن واحد مثلا استعان برجل آخر من عصبة المقتول ولو غير وارث يحلف معه أيمانها. وأظهر الأقوال دليلا هو صحة استعانة الوارث بالعصبة غير الوارثين في أيمان القسامة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحويصة ومحيصة: (يحلف خمسون منكم..) الحديث. وهما ابنا عم المقتول، ولا يرثان فيه لوجود أخيه. وقد قال لهم (يحلف خمسون منكم) وهو يعلم أنه لم يكن لعبد الله بن سهل المقتول عشرون رجلا وارثون. لأنه لا يرثه إلا أخوه ومن هو في درجته أو أقرب منه نسبا.
وأجاب المخالفون: بأن الخطاب للمجموع مرادا به بعضهم، وهو الوارثون منهم دون غيرهم ولا يخفى بعده. فإن كانوا خمسين حلف كل واحد منهم يمينا. وإن كانوا أقل من ذلك وزعت عليهم بحسب استحقاقهم في الميراث. فإن نكل بعضهم رد نصيبه على الباقين إن كان الناكل معينا لا وارثا. فإن كان وارثا يصح عفوه عن الدم سقط القود بنكوله، وردت الأيمان على المدعى عليهم على نحو ما قدمنا. هذا مذهب مالك رحمه الله.
وأما القسامة في الخطأ عند مالك رحمه الله فيحلف أيمانها الوارثون على قدر أنصبائهم. فإن لم يوجد إلا واحد ولو امرأة حلف الخمسين يمينا كلها واستحق نصيبه من الدية.
وأما الشافعي رحمه الله فقال: لا يجب الحق حتى يحلف الورثة خاصة خمسين يمينا سواء قلوا أم كثروا. فإن كان الورثة خمسين حلف كل واحد منهم يمينا وإن كانوا أقل أو نكل بعضهم ردت الأيمان على الباقين. فإن لم يكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحق حتى لو كان من يرث بالفرص والتعصيب أو بالنسب والولاء حلف واستحق.
وقد قدمنا أن الصحيح في مذهب الشافعي رحمه الله: أن القسامة إنما تستحق بها
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»